اخبار لبنان
موقع كل يوم -جريدة اللواء
نشر بتاريخ: ٢ تموز ٢٠٢٥
نوال أبو حيدر
في ظل التصعيد الأخير الذي شهده الشرق الأوسط، بعد اندلاع الحرب بين إيران وإسرائيل، يُشكّل واحدة من أخطر المواجهات العسكرية في المنطقة، وعلى الرغم من أن النزاع بقي في ظاهره محصوراً بين طرفين أساسيين، إلّا أن تأثيراته سرعان ما تجاوزت الحدود السياسية والجغرافية، لتمتد إلى دول مجاورة متداخلة في الاصطفافات الإقليمية، أبرزها لبنان، الذي لطالما دفع ثمن التوترات الخارجية بحكم موقعه الجغرافي وتركيبته الداخلية الهشّة.
الاقتصاد اللبناني، المثقل بالأزمات منذ عام 2019، لم يكن في وضع يسمح له بتحمّل تبعات صراع إقليمي جديد. فالدولة تعاني من شبه انهيار اقتصادي، وانعدام الثقة بالمؤسسات، وتآكل الخدمات العامة، وسط ارتفاع غير مسبوق في نسب البطالة والفقر. ومع اندلاع الحرب، دخلت قطاعات عديدة في حالة من الشلل أو التراجع الحاد، أبرزها قطاع السياحة، الذي كان يُعوَّل عليه كأحد مصادر الأمل لإعادة بعض النشاط الاقتصادي خلال فصل الصيف. لكن المخاوف الأمنية، وتقارير التحذير الصادرة عن سفارات أجنبية، والقلق من توسّع رقعة الحرب إلى الأراضي اللبنانية، أعادت رسم المشهد، وجعلت من هذا الموسم السياحي مهدّداً بالإلغاء أو الانكماش.
وهكذا، لم تكن الحرب الإيرانية - الإسرائيلية مجرد حدث إقليمي عابر بالنسبة للبنان، بل تحوّلت إلى عامل تفجير إضافي لأزمة متعددة الأوجه يعيشها البلد منذ سنوات. ففي ظل غياب حكومة فاعلة، وتآكل ثقة المواطن بالدولة، وانعدام أي أفق سياسي للحل، وجد اللبنانيون أنفسهم أمام واقع أكثر تشاؤم، تتراكم فيه الأزمات من دون أي بصيص أمل قريب.
تحدّيات السياحة اللبنانية في ظل النزاعات الإقليمية
في هذا الخصوص، يقول رئيس اتحاد النقابات السياحية ونقيب أصحاب الفنادق بيار الأشقر، لـ «اللواء» إن «الحرب الإيرانية - الإسرائيلية تركت أثراً بالغاً على خطط السياحة الوافدة إلى لبنان خلال عام 2025، حيث أدّت إلى اضطراب كبير في حركة السفر والرحلات الجوية المتجهة إلى البلاد. فقد تسببت هذه النزاعات في إغلاق الأجواء اللبنانية لفترة معينة، مما أدّى إلى إلغاء العديد من الحجوزات والرحلات الجوية، مما ألقى بظلال من الفوضى على المشهد السياحي والاقتصادي في لبنان لمدة تقارب 12 يوما».
ويتابع: «خلال فترة النزاع، شهد لبنان موجة واسعة من إلغاء الرحلات، خاصة تلك المقررة في الفترات القريبة، الأمر الذي أثّر بشكل مباشر على قطاع الطيران والسياحة بشكل عام. ومع انتهاء الحرب وعودة الأجواء إلى حالة من الهدوء النسبي، عادت حركة السفر، إلّا أن حركة السياحة لم تعد إلى مستوياتها السابقة ولم تستعد الزخم والحيوية التي كانت تتمتع بها في الأعوام السابقة».
وفي سياق متصل، يوضح الأشقر أنه «أصبح الاعتماد الأكبر قائماً على الجالية اللبنانية في الخارج والمغتربين الذين يشكّلون دعماً مهماً للقطاع السياحي والاقتصادي في لبنان. على أمل أن تشهد الأوضاع استقراراً وتحسّناً تدريجياً يسمح بعودة الحياة السياحية إلى سابق عهدها ويعزز من تدفق السياح إلى لبنان بشكل أكبر خلال الفترة المقبلة».
خسائر السياحة للعام 2025
من جهة أخرى، يُشير الأشقر إلى أنه «بالنسبة لحجم الخسائر التي تكبدها القطاع السياحي خلال هذا العام، فالإيرادات المالية شهدت تراجعاً ملحوظاً وصل إلى حوالي 35% حتى الوقت الحالي. ورغم غياب الأرقام الرسمية الدقيقة، إلّا أن المؤشرات الأولية والعيّنات الميدانية تعكس بشكل واضح الواقع الصعب الذي يعيشه القطاع السياحي في لبنان»، معتبراً أنه «تأثّرت حركة الزوار الوافدين إلى البلاد بشكل ملموس، ما انعكس بشكل سلبي على أداء المطاعم والفنادق، التي سجلت انخفاضاً كبيراً في الإقبال والإيرادات مقارنة بالأعوام السابقة، هذا التراجع يعكس الأثر العميق الذي خلّفته الأحداث الأخيرة على القطاع، ويُبرز الحاجة الماسّة إلى إجراءات دعم وتحفيز لإعادة إحياء السياحة وتنشيط الحركة الاقتصادية المرتبطة بها».
تعافي السياحة ودور الوزارة
وبعد سؤالنا عن دور وزارة السياحة حيال ما يجري اليوم، يوضح الأشقر أنه «عندما تواجه وزارة السياحة قضايا تتعلق بالحروب والنزاعات المسلحة، تجد نفسها عاجزة إلى حد كبير عن أداء دور فاعل أو مؤثر، إذ تتسبب هذه الأزمات في تعطيل خططها ومشاريعها المتعلقة بتعزيز القطاع السياحي. في ظل حالة عدم الاستقرار والأجواء الأمنية المتوترة، تتوقف معظم المبادرات الترويجية وتتعطّل الحملات التسويقية التي تستهدف جذب السياح إلى لبنان، حيث تصبح الأولوية القصوى تأمين السلامة والحفاظ على الأرواح والممتلكات».
ويضيف: «مع ذلك، فإن الوزارة تستعيد نشاطها الحيوي فور عودة الأوضاع إلى الاستقرار والهدوء النسبي، حيث تبدأ باتخاذ مجموعة من التدابير الاستراتيجية التي تهدف إلى إعادة الحياة إلى القطاع السياحي، إذ تتضمن هذه الإجراءات إطلاق حملات تسويقية مكثفة تستهدف الأسواق الخارجية، مع التركيز على تعديل وتحسين صورة لبنان في نظر السياح والمستثمرين الدوليين، بهدف استعادة الثقة وتشجيع المزيد من الزوار على اختيار لبنان وجهة سياحية مفضّلة».
ويختم الأشقر: «تلعب الوزارة في هذه المرحلة دوراً محورياً في تنسيق الجهود بين الجهات الحكومية والقطاع الخاص، وتسخير الموارد المتاحة لتنفيذ خطط تطويرية، تشمل تحسين البنى التحتية السياحية، وتعزيز الخدمات الفندقية، وتنظيم الفعاليات الثقافية والترفيهية التي تعكس تنوّع وجمال لبنان. ويُنظر إلى هذه المرحلة على أنها فرصة لإعادة البناء والتجديد، تُعيد لبنان إلى خارطة السياحة العالمية بقوة أكبر وأفضل مما كانت عليه قبل الأزمات».