اخبار لبنان
موقع كل يوم -نداء الوطن
نشر بتاريخ: ٢٨ أيار ٢٠٢٥
تشعر 'جمعية المشاريع الإسلامية' أنها إزاء فرصة ذهبية لكتابة التاريخ، حيث تندفع لملء الفراغ الناجم عن حالة عدم اليقين الراهنة سنياً، وما أفضت إليه من انكفاء جماعي عن السياسة والحياة العامة، والتعويل على تنظيمها الدقيق لإظهار أنها القوة السنية الأكبر، بما يتيح لها تحقيق طموحاتها في بلوغ السراي الحكومي وسدة دار الإفتاء، أو أن يكون لها دور رئيس في صناعة رئيس الحكومة، ورصيد علمائي يعينها على إعادة صياغة سياسة المؤسسة الدينية بما ينسجم مع أهدافها.
وبعدما حال تمسك الرئيس نواف سلام بالمعايير التي وضعها دون دخول أحد قيادييها البارزين، أحمد دباغ، مجلس الوزراء للمرة الأولى في تاريخها، غداة تسميته من قبل 'تكتل التوافق الوطني'، فإنها تمكنت من استثمار انتخابات المجلس البلدي في بيروت للحصول على مقعدين من أصل 8 سنّة للمرة الأولى في تاريخها أيضاً، والعمل على توكيد ما دأبت على تكراره منذ انتخابات 2022 النيابية بأنها القوة السياسية السنية الأكبر، إذ لديها نائبان فيما الكتل الأخرى عبارة عن تحالفات ظرفية، بالإضافة إلى قاعدة ناخبة منظمة ومؤثرة.
بيد أن هذه الفرضية تتسم بالكثير من المبالغات الممزوجة باقتطاع وقائع من سياقات متشابكة بما يقود نحو بناء استنتاجات خاطئة ومبتسرة، ناهيكم عن إرث ملتبس صاحب مأسسة هذه الجماعة ونموّها تحت كنف استخبارات الوصاية السورية لتكون 'ساطوراً' سنياً يستخدم في محاربة رفيق الحريري سياسياً ودينياً واجتماعياً، وحشدها المشاريعيين مسلحين والفؤوس والسلاسل المعدنية ربيع عام 2001 فيما عرف بـ «مظاهرة السواطير» اعتراضاً على البيان التاريخي لـ «البطاركة الموارنة» المطالب بخروج القوات السورية من لبنان في مشهدية أرادوا من خلالها ترهيب المسيحيين وتذكيرهم بواقعة الفؤوس الشهيرة.
ظهور اسم أحمد عبد العال أحد قيادييها في تقرير المحقق الألماني ديتليف مليتس مثّل تعبيراً مكثفاً عن علاقاتها 'العميقة' مع سدنة معبد الممانعة دفعها للانكفاء طويلاً عن الحيز العام، قبل أن تعود إلى الحياة السياسة من بوابة 'حزب الله' في عزّ وصايته، فدخلت البرلمان عبر لائحته.
كما أن الادعاءات التي تسوقها لا تصمد أمام واقع أن كتلتها الناخبة هي دون 30 ألفاً في عموم لبنان، وما كان لها أن تؤثر لولا تراجع نسب الاقتراع وتبعثر الصوت السني في الاستحقاقات الانتخابية الأخيرة. وحتى نجاحها في لعب دور 'الرافعة' في بيروت كان مقروناً بعضلات 'الثنائي الشيعي' التصويتية، وحين تركت وحيدة في طرابلس، فإنها فشلت في لعب الدور نفسه رغم معدلات التصويت المحبطة، والتي كانت دون الـ 20 % على صعيد القضاء. وبالكاد نجح مرشح لها بشق الأنفس فيما سقط الثاني، ومعه مختار 'قديم' في التبانة مع ارتفاع محدود للتصويت العلوي. وبالتالي فإن ارتفاع التصويت السني بنسب بسيطة يطيح تماماً بتأثير القاعدة الناخبة لـ 'المشاريع' ويجعله أثراً بعد عين.
هذه الجمعية التي تأسست عام 1930، انضوى تحت إطارها عام 1983 طلاب ومريدو المؤسّس الشيخ عبد الله الهرري لتكون إطاراً جامعاً لنشاطاتهم، برعت في توظيف الأداوت الناعمة لتوطيد حضورها ضمن أروقة المجتمع السني البيروتي لكونه أقرب إلى الفكر الأشعري والصوفي. فهي تعرّف عن نفسها بأنها أشعرية المعتقد، شافعية المذهب، صوفية المسلك. دخلت في صراع أيديولوجي شائك مع تيارين متعارضين لديهما حضور واسع: 'السلفية' و'الإخوان المسلمين'.
جوهر الخلاف سياسي الطابع، حيث تُتهم 'المشاريع' بتوسّل الارتماء في أحضان الحكومات وأجهزة الاستخبارات بخطاب مغلف بقيم التعايش، والتطوع لمحاربة التيارات الفكرية الإسلامية المعتدلة منها والراديكالية، مقابل الحصول على غطاء للتوسع في اجتذاب الأتباع عبر خطين متلازمين: الشرائح النخبوية ذات التوجه الليبرالي والعلماني الباحثة عن 'إسلام لايت'، والقواعد الشعبية المهمّشة الباحثة عن شبكات أمان. والعامل الأخير كان له دور بارز في الانتشار ضمن الأوساط الكردية والمخيمات الفلسطينية وخصوصاً 'فتح'.
ومع ذلك، فإن 'المشاريع' تسعى إلى استثمار التحولات والمعادلات الناشئة للعب أدوار سياسية كبرى، بدءاً من أثيوبيا موطن مؤسسها الأصلي حيث تتعاون مع حكومة آبي أحمد لمحاربة التيار السلفي، مروراً بألمانيا وعدد من المهاجر الكبرى حيث تحظى بدعم الحكومات لإنتاج إسلام طيّع، على نسق 'الأحمدية' التي ينتمي إليها كريم خان، وصولاً إلى المنطقة العربية ولبنان بالذات، حيث تشكل زيارة رئيسها حسام الدين قراقيرة إلى السفارة السعودية انعطافة استراتيجية يمكنها البناء عليها للعب دور مختلف برعاية المملكة الساعية بدورها إلى احتواء الهياكل التي كانت تتدثر بها منظومة الممانعة في المنطقة.
بينما تمدّ 'المشاريع' عينيها نحو 'السراي' و'دار الإفتاء'، فإن دربها السياسي لا يزال محفوفاً بصعوبات وتحديات، أبرزها 'التقية' التي تغلّف بها خطابها، حيث تتهم بتغييب الطرح السياسي لصالح عناوين عامة فضفاضة، في موازاة غياب الموقف السياسي في المحطات المفصلية، فلا يعرف موقفها في مسألة سلاح 'حزب الله' والفصائل الفلسطينية، ناهيكم عن وجود ذراع مسلح لها كشفت عنه بعض الأحداث.
الأمر الذي يسهم بتعزيز صورتها المتجذرة في الأوساط السنية بأنها 'مرآة' لـ 'الحزب' نتيجة تشابهها معه في الكثير من الأفكار والسلوكيات، في طليعتها 'التكليف الشرعي' كأداة تعبئة مؤثرة. يتناقل 'المشاريعيون' توصية المؤسّس في كل استحقاق: 'انتخاب من رشحتهم الجمعية ضرورة وهو فرض مؤكد، والذي يتخلف عن ذلك فهو كالفارّ من الزحف' المقتبس بدوره من أدبيات الحزب الإلهي.
علاوة على أن تصعيد 'المشاريع' سياسياً بدعم من أطراف فاعلين على الساحة اللبنانية يشكل بحد ذاته عامل استقطاب يسهم في تكتيل جماعات الإسلام السياسي ضدها، ولا سيما تلك التي تحمل وجهاً مدنياً حداثياً يتطور تأثيرها تدريجياً. بالإضافة إلى دفع القواعد الشعبية المحايدة والمرتابة نحو التصويت السلبي، كما حصل في بيروت حيث اكتسب التصويت للعميد المتقاعد محمود الجمل طابعاً سنياً عاماً أظهر حساسية بيروتية إزاء 'المشاريع' وجعلها تبدو كطائفة قائمة بحد ذاتها، وهو جوهر ما تكابد للتخلص منه منذ نشأتها.