اخبار لبنان
موقع كل يوم -ام تي في
نشر بتاريخ: ٢٢ تموز ٢٠٢٥
انتهت معارك الانتخابات البلدية في المدن والقرى البقاعية، وعاد المشهد المحلي إلى ما يشبه السكون، لا صخب مناشدات، ولا جولات إعلامية، ولا وعود منمقة بالإصلاح والإنماء. وما إن خفت صوت ضجيج المعارك، حتى طفت على السطح أزمات متجذرة يعاني منها معظم البلديات لا سيما في بعلبك الهرمل.
وجدت البلديات المنتخبة حديثًا نفسها مكبّلة قبل أن تبدأ، وأمام جبال من التحديات، إذ إن العجز المالي الذي راكمته السنوات الماضية، وخصوصًا خلال الأزمة المالية، يقف كحائط صدّ أمام أي تحرك. ففي العديد من المناطق، بالكاد تملك البلديات موازنات تشغيلية، بينما تغرق صناديقها في الديون، بعضها يعود لمشاريع نفّذت سابقًا ولم تسدد كلفتها، وبعضها الآخر عبارة عن رواتب ومستحقات لموظفين وعمال مياومين، لجأ بعضهم إلى الإضراب احتجاجًا على عدم قبض مستحقاتهم منذ أشهر، إضافًة إلى المنح المدرسية لأطفالهم، متروكين للعوز والفقر الذي نهش يومياتهم.
بلديات شبه مشلولة، تتكئ على بعض الإجراءات الروتينية للبقاء على قيد العمل، من جمع وكنس نفايات، إلى فتح أبوابها أمام طلبات المواطنين، وما بينها من ندوات لا تغني عن جوع. فبعد تسع سنوات من عمر البلديات المنقضي، المصحوب بتمديد تقني، استبشر الأهالي خيرًا، بإجراء الاستحقاق البلدي، وظنوا معه أن المشاريع ستتدفق على بلداتهم وقراهم، ربطًا بكل ما هو جديد من عهد وحكومة، غير أن الآمال لم تكن على قدر الإنجازات، فلا المشاريع انطلقت، ولا الأحزاب التي خاضت المعارك وفق مبدأ حياة أو موت، أعارت اهتمامها للمجالس المنتخبة ولحاجات الناس. وبقي الأداء والتعاطي مع الخلف كما كان مع السلف، مزيد من التعقيد، والتراتبية والتبعية، كذلك الجمعيات المدنية التي تمنّي النفس بأن تكون الوصية على عمل البلديات في حال كان لها موطئ قدم في المجلس.
لم يجرِ تسليم وتسلّم بين اتحادات البلديات في محافظة بعلبك الهرمل، أو في البلديات الكبرى لا سيما مدينة بعلبك، إلا وكان للعجز المالي والديون المتراكمة من الحساب نصيب، عشرات المليارات بالليرة اللبنانية وإن اختلف سعر الصرف، تسجلها المجالس البلدية على نفسها مصاريف ورواتب موظفين متراكمة، وثمن محروقات، وغيرها من الفواتير التي لم تسدد. يرد العجز حينًا إلى الكلفة العالية المترتبة على البلدية في المرحلة الماضية، وقلة المداخيل التي ترفد الخزينة، من الصندوق البلدي المستقل، الذي لا يزال يدفع المستحقات على سعر صرف لا يتجاوز ثلاثين ألف ليرة، ومن الضرائب والجباية التي لا تبشر أرقامها بالخير، ولا تنم عن مواطنية وقدر عال من تقاسم المسؤولية.
ففي مدينة بعلبك تتفاقم الأزمات يومًا بعد آخر، أزمة نفايات لا تزال حلولها تلوح في أفق غياب المعالجة المستدامة رغم وجود معمل لفرز النفايات كلّف ملايين الدولارات، وموظفون ومياومون بلا مستحقات ما يدفعهم للتوقف عن العمل بحثًا عن سبيل يدر عليهم ثمن ربطة خبز لأطفالهم، وغياب الدعم المالي من الدولة، وتحوّل الملفات العالقة إلى مشاكل صحية وبيئية واضحة، وديون أرهقت الميزانيات التي خلفتها البلديات المتعاقبة، حيث وجدت البلدية الحالية نفسها محكومة بمخلفات المجلس السابق.
وأمام واقع البلديات المرّ، يبقى السؤال: هل كانت الانتخابات محطة لتحريك الجمود الإداري فقط؟ أم أن ما حدث لا يعدو كونه استعراضًا ديمقراطيًّا على أرض معطلة؟ البلديات اليوم ليست بحاجة إلى إعلان نيات، بل إلى خطة إنقاذ مالية، وتحرير لمستحقاتها، ومواكبة تشريعية وتنظيمية، تستطيع من خلالها القيام بدورها الأساسي: إدارة الشأن المحلي، وتقديم الخدمات للناس.