اخبار لبنان
موقع كل يوم -نداء الوطن
نشر بتاريخ: ٦ أيار ٢٠٢٥
لا تتشدّد الدول والأنظمة في حساب الأفراد والجماعات على ما فعلوه في الماضي، بل على ما يمكن أن يفعلوه في المستقبل، فتتّخذ من هذا الماضي وسيلة لدرء خطر جدي يهدّد الأمن القومي. تنطبق هذه القاعدة على تعامل الأردن وسوريا ولبنان مع «حركة حماس»، لمواجهة ما يطرح اليوم على بساط البحث من إمكانية انتقال بنيتها العسكرية، على وقع مآلات الحرب في غزة، إلى إحدى الدول المجاورة بالدرجة الأولى لتعيد إنتاج نفسها.
لم تكن دعوة الرئيس جوزاف عون «المجلس الأعلى للدفاع» للاجتماع من أجل إصدار أول توصية عنه في عهده تُسمّي «حماس» بالاسم وتحذّرها «من استخدام الأراضي اللبنانية للقيام بأعمال تمس الأمن القومي» من أجل حسابها على نشاطها العسكري، الذي يتيح الفرصة أمام انتقام آلة القتل الإسرائيلية، ويعد انتهاكاً لسيادة لبنان و»اتفاق الطائف» ومخرجات «مؤتمر الحوار الوطني» عام 2006، بل رسالة تعبّر عن الخطر الشديد الذي صارت تشكّله على الدولة ومستقبلها.
من خلال هذه الرسالة أراد الرئيس جوزاف عون قول «لا» كبيرة واضحة وحاسمة في وجه أي محاولة للدفع باتجاه نسخة جديدة من «اتفاق القاهرة» تمهد لاستيلاد «حماس لاند» مهما كان شكلها أو حجمها، على نسق «فتح لاند» التي أثبتت الأحداث أنها كانت وبالاً على لبنان وشعبه، ليكون أول رئيس في «جمهورية الطائف» يطرح مسألة السلاح الفلسطيني بشكل مباشر وبلا توريات.
تندرج ضمن السياق نفسه الإجراءات التي اتخذتها دمشق، من إقفال مقرات «حماس» وبعض الفصائل الفلسطينية، إلى تشكيل لجنة لمراقبة أنشطتها، وصولاً إلى اعتقال أحد قيادات «الجبهة الشعبية – القيادة العامة»، التي أسسها أحمد جبريل، وكانت بيدقاً في يد معمّر القذافي وحافظ الأسد وصولاً إلى ملالي إيران.
ومن قبلها، تعمّدت عمان تظهير الخلية الإخوانية بطريقة مدوّية، ليس لأنها تشكّل خطراً على الأمن القومي للبلد المتمرّس في التعامل مع تنظيم «الإخوان المسلمين» في رحلات صعود نجمه وهبوطه، خصوصاً أن الخلية كانت تحت أعين وسمع أجهزة الأمن والاستخبارات من شهور، بل من أجل قطع الطريق أمام أي احتمال لانتقال عسكر «حماس» أو قادتها إلى أراضيها، والقول بوضوح إن الأمر دونه «أيلول أسود» جديد.
بيد أن الفارق بين لبنان من جهة، والأردن وسوريا من جهة أخرى، هو وجود بنية تنظيمية وعسكرية لهذا التنظيم على الأراضي اللبنانية تعزز من فرضية «الخاصرة الرخوة» التي طبعت النظرة إلى لبنان، فقوّضت سيادته وحوّلته إلى ملاذ للسلاح الفلسطيني بمختلف أشكاله وهوياته، السورية الأسدية والإيرانية، الإسلامية والعلمانية، وأتاحت الفرصة أمام استيلاد «حزب الله» ونمو عوده حتى صار «دويلة» تطغى على الدولة.
هذا الواقع، الذي يدركه رئيس الجمهورية الآتي من سدة قيادة المؤسسة العسكرية أكثر من غيره، دفعه إلى المبادرة لتصعيد الموقف مع «حماس» والتعامل معها بحزم موزون، وعدم الركون إلى آليات الحوار الكلاسيكية التي تستهلك وقتاً. وتشير المعلومات إلى أن الدولة تدرس ترحيل قياداتها من لبنان بعدما تحولت بيروت إلى عاصمة محور الملالي وقياداته، في موازاة وجود قرار نهائي بتفكيك بنيتها العسكرية وتسليم سلاحها وكل السلاح الفلسطيني خلال مهلة قصيرة.
إلا أن ذلك دونه تحديات تتمثل في المساحات والمصالح المشتركة بين «حماس» و»الجماعة الإسلامية». وأكثر منها احتمالية حصول ردود فعل غير مضبوطة في الشارع السني. ثمة خشية جدية من استغلال «حزب الله» أن هذا الشارع يبدو مُشرّعاً وبلا صاحب من أجل تفجير فتنة بجلباب سني، ولا سيما أنه يتلطى خلف السلاح الفلسطيني، والسني بمعناه الأوسع، لعرقلة عملية تسليم سلاحه.
ناهيكم عن التكلفة الباهظة للتعامل العسكري مع المخيمات الفلسطينية وخصوصاً تلك التي تسيطر عليها «حماس» وتقع ضمن دوائر نفوذ «حزب الله». وبدا من الواضح عند أركان الدولة أن تفكيك «حماس لاند» خطوة ضرورية على طريق تفكيك التنظيم العسكري لـ»حزب الله» وتسليمه السلاح. لذلك يحرص رئيس الجمهورية على أن يحصل هذا الأمر بسلاسة من خلال توظيف مظلة الدعم العربي والدولي لتفعيل أدوات الضغط الأقصى بالتنسيق مع السلطة الفلسطينية. وثمة معطيات جدية تتحدث عن إمكانية أن تشهد زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى لبنان الإعلان عن قرار سحب السلاح من كل المخيمات ووضعه بعهدة الدولة اللبنانية.