اخبار لبنان
موقع كل يوم -جريدة اللواء
نشر بتاريخ: ٢٩ تموز ٢٠٢٥
شيّع لبنان أمس الفنان والموسيقار زياد الرحباني عن عمر يناهز 69 عاماً، بعد صراعٍ مع المرض لم يعلنه، لكنه حمل ملامحه في السنوات الأخيرة من حياته. وبرحيله، تفقد الساحة الفنية العربية أحد أبرز أعلامها، صوتاً ثورياً شكّل وجدان جيل، وفكراً نقدياً جمع بين الفن والسياسة والفلسفة في خطابٍ فنيّ لا يشبه إلّا نفسه.
شكّل المسرح أحد أعمدة مشروع زياد الرحباني الفني، حيث تحوّل إلى منبرٍ لمساءلة الواقع السياسي والاجتماعي اللبناني والعربي. أعماله المسرحية، مثل «بالنسبة لبكرا شو؟» و«فيلم أميركي طويل»، مزجت بين النقد اللاذع والكوميديا السوداء، مسلّطة الضوء على الفساد والطائفية والانقسامات الطبقية. تحوّل المسرح الرحباني الحديث من فسحة غنائية رومانسية إلى صوتٍ صريحٍ للناس، للطبقات المسحوقة، وللساخرين من الوجع اليومي.
في عالم الموسيقى، لم يكن زياد امتداداً للمدرسة الرحبانية فقط، بل كان ثورة عليها أحياناً. تأثّر بالجاز والموسيقى الغربية، فدمجها بالألحان الشرقية والمقامات اللبنانية، ليخلق هوية موسيقية مستقلة، ظهرت جليّاً في ألبوماته مثل «أبو علي»، و«أنا مش كافر».
لم يكن زياد فناناً تقليدياً، بل صاحب موقف سياسي واضح، تبنّى قضايا التحرر والعدالة الاجتماعية، وعبّر عنها من خلال أغانٍ صادمة بجرأتها، مثل أغنيته الشهيرة «أنا مش كافر»، التي تحوّلت إلى نشيدٍ احتجاجي رافق المظاهرات في الشوارع والساحات اللبنانية. كانت أغانيه بمثابة خطابات، تنبض بالحسّ النقدي، وتُلامس نبض الشارع، وتعرّي زيف الخطاب الرسمي.
في السنوات الأخيرة، انسحب زياد تدريجياً من الأضواء. عاش نوعاً من العزلة الفنية والاجتماعية، وقلّت إطلالاته الإعلامية، وندر إنتاجه الفني ، حيث عانى من مشكلات صحية ونفسية جعلته يبتعد عن الساحة، رافضاً الخضوع للعلاج، ومكتفياً بالصمت.
رحيله المفاجئ شكّل صدمةً لمحبيه، خصوصاً أولئك الذين ظلّوا ينتظرون عودته إلى خشبة المسرح أو وراء البيانو. نعاه فنانون كبار ومثقفون من مختلف أنحاء الوطن العربي، ووصفه كثيرون بأنه «الضمير الحر للثقافة العربية»، و«صوت بيروت الثائر الذي قال ما لا يُقال».
رحل زياد، لكن إرثه لن يُمحى. سيبقى صوته يعلو فوق الطوائف، وفنه ينتصر على الرداءة، وستبقى بيروت تنبض على إيقاع جازٍ شرقيّ اسمه زياد الرحباني.