اخبار اليمن
موقع كل يوم -شبكة الأمة برس
نشر بتاريخ: ٣٠ تموز ٢٠٢٥
محمود خير الله*
بيديْن عجوزتيْن وظهرٍ مقوَّس
أصحو من النومِ مبكرًا
لأرتِقَ
بعضَ الكلمات.
أكسرُ ظهرَ ياء
بضربةٍ واحدة،
وأقطعُ رأسَ همزةٍ بأطراف أصابعي،
أدقُّ بيدي على الأحرف
طوال النهار
لكنَّ ثقوبَ الكلماتِ لا تنتهي.
ومثل بائعٍ جائل
أدورُ على الناسِ في البيوت
ـ هاتفًا ـ
بأعلى صوتي:
'أصلّح الكلامَ... وأرمِّم المعاني'.
...
أنا جراحُ الكلمات الصدئة
التي كانت
ـ فيما مضى ـ
رنانةً ومُسَطّرةً بماءِ الذَهب.
أنا حكيمُ الحِكَم البالية،
طبيبُ النصائح التي هَزَلَت
ولم يعد يستدلّ بها أحد.
أنا جرّاحُ المعاني
أزرعُ في كل عصا جزرةً
وألطِّخ الأسوارَ بلونِ الورد.
المفرداتُ اليائسةُ شُغلي
النعوتُ الخارجةُ من الخدمةِ
وظيفتي،
الكلماتُ العاطلة
ـ لأنَّها لم تعد تقولُ شيئًا ـ
مهمّتي،
أعملُ في عطبِ المعاني وزلاتِ اللسان
أستعيدُ حروفًا مبتورةً
من كلماتٍ قديمة
مثلما ينتشل الناسُ ذكرياتِهم
من الماضي...
بعض الكلمات
كانت ذاتَ يوم
كبيرةً وناضجة مثل البحر
هادرةً كالموج،
لكن حين يتعثر الناس فيها
تأتي طواعيةً إليّ
لكي تُدفنَ في قلبي.
كلَّ صباحٍ
أسكِّن جراح كلماتٍ
كي لا تفقدَ رُشدَها
وتفرَّ من المعاجم،
أرطِّب الحروف التي جفّفها الكذب
في أزمنة الثورة،
حين تعرّت كلماتٌ في الميدان،
ثم جفّت في الحلوق
واختفت
ـ مرة واحدة ـ
مع الشهداء.
صدقوني
الكلماتُ لا تموتُ ولا تعرف الفناء
هي تَضمرُ
تجفّ كالطين
قبل أن تذوبَ في ماء الكلام،
ولأنّها عاقلة
لا تفكر الكلماتُ
ـ أبدًا ـ
في الانتحار.
في الليلِ
أضعُ فوارغ الكلماتِ في جِرارٍ
وأغلقُ ورشتي،
وحين أعود إلى البيت
أكونُ حانقًا
على هذا العالم
الذي يأكلُ الكلماتِ لحمًا
ويلقي ما تبقّى
للقصائد.
(*) من ديوان جديد قيد الكتابة بعنوان 'العصفور الذي يُشبه وجهَك'.
* شاعر مصري.