اخبار لبنان
موقع كل يوم -جنوبية
نشر بتاريخ: ١٠ أذار ٢٠٢٥
من تصدى لمهمة حكم سوريا هو المسؤول عن كل مواطن سوري، في الأمن والآمان، وفي توفير الاستقرار الاجتماعي، وفي تحقيق العدالة.
هذه مهمة الحاكم الذي تجرأ على تولي القيادة، وتفرّد في العديد من القرارات، بعنوان المرحلة الانتقالية، وعلى قاعدة ان 'الضرورات تبيح المحظورات'، وما هي الضرورة التي تتفوق على اولوية حماية الشعب وحفظ امنه، ليس من العدو الخارجي فحسب، بل من الرعاع الذين يعطون لأنفسهم الحق في استباحة حقوق المواطن السوري، باسم الدين او المذهب او الطائفة، وبدعوى الانتقام التي تكبحها آية 'ألَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ' اي لا تؤخذ نفس بمأثم غيرها.
التحقيق والمحاسبة
لا يكفي السلطة التي يقودها احمد الشرع، ان تعتدّ باسقاطها النظام الأسدي لأنه استبد وقتل وهجر واباد ودمّر سورية، بل الانجاز الذي يُعتدُّ به، هو في ان تسقط كل الموبقات التي مارسها نظام البعث في سورية، بتثبيت العدل محل الظلم، والحرية بدل الاستبداد، والكرامة الانسانية، بدل الاذلال، والخدمة العامة للشعب مكان استعباد الشعب لتأبيد السلطان.
الثورة السورية التي عبرت عنها انتفاضة الشعب السوري في العام ٢٠١١ هي من اعظم الثورات، لأنها قامت في وجه اعتى نظام امتهن الجريمة ضد شعبه في العالم،
الجرائم التي ارتكبت في الساحل السوري، لن يمحيها من وعيّ السوريين، سوى مسار التحقيق والمحاسبة، وانزال اشد العقوبات بمرتكبيها، غير ذلك هو استدعاء لمزيد من الفتنة والانتقام، وترسيخ للحقد والكراهية، وتبرير للانقسام، واغراء لدعوات الانفصال التي ستجد صداها في ذهن الكثيرين ممن يحقُّ لهم ان يخافوا ويبحثوا عن آمان ولو كان وهماً.
في الآية القرآنية ان 'من قتل نفساً بغير نفس كأنما قتل الناس جميعاً…' القتل كجريمة وكعبث بروح بشرية هو في المبدأ قتل لكل البشر لا لفئة منهم، او لابناء دين ما، او لمذهب وطائفة، هو قتل للانسان على هذه الأرض. بهذا المعنى الجريمة لا تقاس باعداد القتلى المظلومين، بل بأساس القتل اي استسهال قتل الانسان بلا سبب يبرره او لجريمة ارتكبها. على هذا الأساس يقوم سلطان الدولة وشرعيتها او مشروعيتها، احتكار سلطة العنف المشروع، اي لا عقاب بلا ذنب ولا مساءلة بلا ارتكاب، ولا حكم على متهم بلا حقِّ للدفاع امام قضاء عادل.
الثورة بمواجهة الطائفية
قلنا سابقا وسنظل نقول ان الثورة السورية التي عبرت عنها انتفاضة الشعب السوري في العام ٢٠١١ هي من اعظم الثورات، لأنها قامت في وجه اعتى نظام امتهن الجريمة ضد شعبه في العالم، لم تكن نصرة الشعب السوري في لبنان وعلى امتداد العالم، منطلقة من اعتبارات ان النظام يمثل دينا او طائفة او حزباً، بل لأنه مثّل خيار القتل والفساد والابادة لشعبه، وبالتالي الانحياز كان للمظلوم ايأ كان وضد الظالم مهما كان، ومن اجل العدل والحرية في كل زمان ومكان.
التربص بالانجاز السوري مع سقوط نظام الأسد، لم يكن مفاجئا ولا امرا كان غائبا عن ذهن القيادة وعلى رأسها احمد الشرع، الذي بدا لكثيرين، انه يعبر عن حنكة وحكمة ودراية امكن تلمسها في ثنايا خطاباته ولقاءاته الاعلامية منذ قدم الى دمشق وتوليه السلطة، من خلال تركيزه على دولة السوريين جميعا. ولم يغب عن بال هذه السلطة تدخل اسرائيلي للعبث بالمسألة الدرزية في الجنوب، ولا تربص فلول النظام بالطائفة العلوية والدولة، ولا الكلام الذي نطق به المرشد في طهران عن قيام ثلة من السوريين ضد السلطة الجديدة، ولا دور روسيا التي لن تقبل بأن تخرج خالية الوفاض من سورية ولا ننسى الملف الكردي واحتمالاته.
اقرأ ايضا: سوريا ومحاولات الانقلاب والتقسيم الفاشلة
براغماتية الشرع التي برزت في تعاملاته الدولية، بدت غائبة في تعامله مع الطائفة العلوية كلغم قابل للانفجار، بل تلقى ابناء الطائفة العلوية الذين استعبد معظمهم نظام الأسد، خسارتين كبيرتين، اولها، حلّ الجيش السوري وتسريح عناصره، وتعريضهم لعملية طرد الالاف من ابنائهم من وظائف ادارية كانوا يشغلونها في مؤسسات الدولة قبل سقوط النظام، وهذا ما اضاف الى مآسيهم من نظام الأسد مأساة المزيد من الفقر والعوز ، واليأس والانكماش والعزلة، وذلك بلا شك يشكل هدية ثمينة لفلول النظام ومن يدعمهم من اجل استجرار المزيد من عناصر العداء للسلطة الجديدة، تلك التي لا تعدهم بما يعينهم على التحرر من سطوة التخويف والخوف واليأس، التي جعلت بالضرورة بعضهم يسقط في فخ فلول النظام، وهذا من مسؤولية السلطة الجديدة، ان تقدم عمليا بدائل مقنعة ومطمئنة اجتماعيا وسياسياً، وعدم تمنينهم بأنهم لايزالون على قيد الحياة، بل اشراكهم في بناء السلطة الجديدة، وهي قضية محل شك متزايد ليس لدى الأقليات بل حتى لدى اوساط واسعة من الشعب السوري.
الجرائم التي ارتكبت في الساحل السوري، لن يمحيها من وعيّ السوريين، سوى مسار التحقيق والمحاسبة، وانزال اشد العقوبات بمرتكبيها، غير ذلك هو استدعاء لمزيد من الفتنة والانتقام،
الرئيس احمد الشرع اليوم خسر اول امتحان جدي له، خسر اذا كان هو من دفع بهذه الحملة العسكرية التي ادت الى ارتكاب جرائم بحق المدنيين في الساحل السوري، ويخسر اكثر ان كان لا علاقة له بما ارتكب، اي انه فاقد للسيطرة والسلطة التي يترأسها ولا تأتمر بأمره، او هي عاجزة.