اخبار لبنان
موقع كل يوم -ام تي في
نشر بتاريخ: ٣ كانون الأول ٢٠٢٥
ثلاثة أسباب أدّت إلى وجود نقص في اليد العاملة الأجنبية وتحديدًا السورية في لبنان، أوّلها عودة جزء من اللاجئين الرسميين وغير الرسميين بعد انتهاء الحرب في سوريا، ثانيها، ارتفاع التضخم وتراجع القدرة الشرائية في لبنان، وثالثها قرار وزير العمل الأخير بتسوية أوضاع العمّال الأجانب.
لا توجد إحصاءات رسميّة أو تقديرات دقيقة لعدد العمّال السوريين العاملين في لبنان نتيجة عملهم بشكل غير شرعي أو تواجدهم على الأراضي اللبنانية بشكل غير رسمي، إلّا أن أرقام مفوّضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة بالإضافة إلى أرقام السلطات اللبنانية تشير إلى وجود حوالى 400 ألف عامل سوري في لبنان بين شرعي وغير شرعي. وفقًا لتقديرات السلطات اللبنانية، أكثر من 320 ألف لاجئ عادوا إلى سوريا بعد تغيير النظام، وبالتالي فإن عدد العمال السوريين في لبنان تراجع بشكل ملحوظ مع تراجع إجمالي عدد اللاجئين. هذه الأرقام صدرت عن النصف الأول من العام 2025، أي قبل صدور قرار وزير العمل محمد حيدر في تشرين الأول الماضي حول ضرورة تسوية وتنظيم إجازات العمل والإقامات التي تمنح لليد العاملة الأجنبية في مهلة أقصاها نهاية هذا العام، وتسوية أوضاع العرب والأجانب المخالفين لنظام الإقامة وإجازة العمل في لبنان، على أن تعرّض أيّ مؤسسة لديها عامل أجنبي غير شرعي نفسها إلى المساءلة القانونية والقضائية والإدارية في الأمن العام.
هذا القرار دفع قسمًا إضافيًا من العمال السوريين إلى مغادرة الأراضي اللبنانية، كما دفع الشركات التي توظف عمّالًا بشكل غير رسمي إلى تسريحهم، علمًا أن عددًا كبيرًا من المؤسسات اللبنانية يوظف عمّالًا سوريين بشكل غير رسمي، أوّلًا لخفض الكلفة التشغيلية، وثانيًا، والأهم، لأن قانون العمل ينصّ على توظيف عامل أجنبي واحد مقابل كلّ 3 عمال لبنانيين، وهذا الأمر يعتبر شبه مستحيل لدى بعض القطاعات مثل الصناعة والبناء وعمال النظافة أو عمال شركات النفايات لأن لبنان يفتقد بنسبة كبيرة إلى هذا النوع من اليد العاملة، على اعتبار أن مفهوم التخصّص الجامعي لا يزال يقتصر على الأطباء والمهندسين والمحامين ورجال الأعمال، وحاليًا على الذكاء الاصطناعي أو نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي! وبالتالي، فإن فجوة المهارات في لبنان skills gap بين التعليم ومتطلبات سوق العمل ما زالت تزداد.
السبب الآخر الذي أدّى إلى نزوح معاكس للاجئين السوريين، يرتبط بورشة إعادة الإعمار التي انطلقت في سوريا، والتي تحتاج إلى اليد العاملة من مختلف المهارات المهنية التي يفتقر لها اللبنانيون مثل عمال البناء، السنكرية، الطرش، التبليط وغيرها... كما أن عودة النشاط الاقتصادي في سوريا واستئناف المصانع والمعامل هناك، نشاطها الاقتصادي، دفعا الجزء الآخر من العمالة السورية المتواجدة في لبنان بصورة شرعية أو غير شرعية، والتي تشكل جزءًا كبيرًا من عمال القطاع الصناعي في لبنان، للعودة إلى بلده أيضًا.
وبالتالي، فقد أدّى هذا الواقع إلى شحّ وندرة في اليد العاملة الأجنبية وتحديدًا السورية في لبنان، حيث باتت المصانع وورش البناء وقطاع الزراعة تحديدًا، تجد صعوبة كبيرة في تأمين العمال رغم أن الرواتب في بعض هذه القطاعات تفوق معدّلها في قطاعات أخرى يطمح لها اللبنانيون الذين يرفضون في المقابل الوظائف في هذا النوع من القطاعات.
في هذا الإطار، أوضح نقيب المقاولين مارون الحلو لـ نداء الوطن أن لبنان بحاجة دائمًا لليد العاملة السورية، إلّا أن التدابير المتخذة من قبل الأمن العام اللبناني تصعّب الأمور بشكل كبير لناحية العمال الأجانب، حيث علّق الأمن العام تقديم كافة الطلبات الجديدة ولا يقوم في المقابل بتجديد الأوراق الثبوتية القديمة وفرضت السلطات اللبنانية رسومًا جديدة عليهم. مشيرًا إلى أن السلطات تسعى لرفع الجباية وزيادة موارد الدولة اللبنانية لكنها تغفل أن صرامة الشروط على هذه الفئة من العمال الأجانب ستؤدي إلى مغادرتهم بشكل مستدام من لبنان في الوقت الذي يحتاج لهم عدد كبير من القطاعات الاقتصادية. ورأى الحلو أن قانون العمل الذي ينصّ على توظيف عامل أجنبي واحد مقابل كل 3 عمال لبنانيين، لا يمكن تطبيقه في معظم القطاعات لأنه لا يوجد عمال لبنانيون بما يكفي، للقيام بأعمال يدوية مثل البناء، الدهان، التبليط.... علمًا أن هناك نقصًا أساسًا في اليد العاملة اللبنانية المتخصصة.
واعتبر الحلو أن لبنان بحاجة إلى اتخاذ خطوات لإعادة تنظيم اليد العاملة وفقًا لحاجة السوق وحاجات القطاعات اللبنانية، معتبرًا أن إدارة ملف العمالة الأجنبية لا تتمّ بشكل ناجح من قبل الدولة، محذرًا من أن تداعيات وجود نقص أو شحّ في اليد العاملة السورية أو الأجنبية سيؤدي مباشرة إلى ارتفاع الأسعار بسبب اضطرار القطاعات إلى استقدام يد عاملة بأسعار مرتفعة، إن وُجدت، ما يرتدّ سلبًا على نمو الاقتصاد ويؤخره ويزيد كلفة الاستهلاك على المواطن.
بدوره، اعتبر نائب رئيس جمعية الصناعيين زياد بكداش أنه لا يوجد نقص حاليًا في كافة المعامل والمصانع بل في جزء من الصناعات التي لا تتوفر فيها اليد العاملة اللبنانية المتخصصة. ولكن السؤال الأهم وفقًا لبكداش: كيف ستتمكن وزارة العمل من تسوية أوضاع العمال السوريين في الوقت الذي دخل القسم الأكبر من هؤلاء إلى لبنان، بشكل غير شرعي عبر التهريب؟ هل يستطيع الأمن العام تسوية أوضاع هؤلاء؟ وأشار إلى أن النسبة الأقلّ من العمال السوريين هم الشرعيون الذين لا يملكون أوراقًا رسمية مثل إجازات عمل وإقامات، حيث من المهمّ والمفيد أن تتمّ تسوية أوضاعهم. أما الفئة الأخرى والتي تشكّل النسبة الكبرى من العمال فهي العمال غير الشرعيين الذين يعملون في مختلف القطاعات مثل الصناعة، المطاعم، أو كنواطير، أو في الخياطة، وقد دخلوا بشكل غير شرعي عبر التهريب، ومن الصعب تسوية أوضاعهم إلّا من خلال ترحيلهم والسماح بإعادة دخولهم بشكل شرعي.
واعتبر بكداش أنه في حال لا تريد السلطات عودة هؤلاء العمال السوريين وتنظيم عملهم، فهناك خيار أمام القطاعات لاستقدام العمالة البنغلادشية أو غيرها من الجنسيات، رغم أن هذا الأمر يكبّد كلفة إضافية ويؤدي إلى ارتفاع الأسعار.
وقال إن الإجراءات المتخذة من قبل وزارة العمل والقوانين الصادرة عنها، يجب أن تراعي المناطق والقطاعات التي لا تتوفر فيها اليد العاملة والمهارات اللبنانية التي تتطلبها بعض الصناعات، علمًا أن كافة الصناعيين يفضلون أن يوظفوا عمالًا لبنانيين بدلًا من أجانب إلّا أن عدم توفرهم يصعّب عليهم الأمر ويجعل من المستحيل الالتزام بقانون العمل الذي يفرض عاملًا أجنبيًا واحدًا فقط مقابل كلّ 3 عمال لبنانيين.
من جهته، أكد رئيس الاتحاد الوطني للفلاحين إبراهيم الترشيشي أنه لم يتمّ بعد لمس نقص كبير في اليد العاملة الأجنبية نتيجة قرار وزير العمل الحديث، علمًا أن عددًا كبيرًا من العمال السوريين سبق وغادروا لبنان إلى سوريا بعد انتهاء الحرب، وأن قسمًا منهم عاد مجدّدًا إلى لبنان إن بطريقة شرعية أو غير شرعية، بعد أن لمس صعوبة في التأقلم والعيش هناك. وفيما نوّه ترشيشي عبر نداء الوطن بقرار وزير العمل القاضي بتنظيم العمالة الأجنبية بشكل رسمي، اعتبر أنه من المجحف تطبيقه على القطاع الزراعي الذي يجب أن تصاغ له إجراءات خاصة لأنه لا يمكن للمزارع أن يقوم بإجازات عمل وإقامات للعمال المزارعين الأجانب الذين يعتبرون موسميين ويوظفون بشكل موسمي وفقًا لحاجة القطاع والمواسم الزراعية وليسوا عمالًا أو موظفين ثابتين يتقاضون رواتب شهرية على غرار عمال الأفران أو محطات المحروقات أو البناء وغيرهم... بل هم عمال يستقدمون يوميًا ويتقاضون أجورًا بالساعة أو اليوم.











































































