اخبار لبنان
موقع كل يوم -صحيفة الجمهورية
نشر بتاريخ: ١٢ حزيران ٢٠٢٥
تدخل آنا دي أرماس دوامة السلسلة بصفتها راقصة باليه قاتلة تحمل في قلبها رغبة في الانتقام، ضمن محاولة تجارية رتيبة تستهدف استغلال اسم السلسلة.
بعنوان ثقيل على اللسان مثل أسطورته الناشئة، يُعدّ فيلم «من عالم جون ويك: راقصة الباليه» محاولة باردة، متغطرسة في افتتانها الذاتي، لإضافة عربة جديدة إلى قطار الأموال الخاص بالسلسلة. ويؤسفني أن أبلغكم أنّ القاتل الشهير الذي يؤدّيه كيانو ريفز لا يظهر مرتدياً زي الباليه.
لكنّه يطلّ، وإن كان لفترة وجيزة جداً، خشية أن نفقد الاهتمام قبل صدور الجزء الخامس المرتقب.
تدور أحداث «راقصة الباليه» بالتوازي مع فيلم «جون ويك: الفصل الثالث – بارابيلوم» (2019)، وتتمحوَر حول إيف ماكارّو (آنا دي أرماس)، وهي يتيمة رشيقة وجميلة، شهدت مقتل والدها وأصبحت مهووسة بالانتقام. جرى ضمّها إلى «روسكا روما»، وهي عشيرة طابعها طائفي، تدير مدرسة باليه تشكّل في الحقيقة واجهة لتدريب القتلة المأجورين، فتتمرّن إيف على البيرويت واللكمات بالحماسة عينها. قد تكون أصابع قدمَيها دامية، لكنّ عزيمتها لا تَلين.
يُعدّ «راقصة الباليه» وليمة فاخرة من القتل الجماعي، يتنقل من مجزرة دموية إلى أخرى، ويعتمد على حبكة يمكن كتابتها على ظهر علبة كبريت (بقلم شاي هاتن) مدفوعة فقط بدوافع دموية.
وبينما تتحدّى إيف مديرة مدرسة الباليه (أنجيليكا هيوستن، التي تبدو أكثر رهبة من قاعة مليئة بباريشنيكوف) في سعيها للوصول إلى رأس عشيرة منافسة يخضع إلى حماية مشدّدة، يحرص الفيلم على تغذية شعلة السلسلة عبر قائمة تحقق مليئة بالكليشيهات المألوفة لعالم «ويك».
مثل مشاهد القتال الإبداعية إلى حدّ الجنون، المتقنة إلى حدّ الكمال، والمبالغ فيها إلى حدّ السخرية، ومنها أنّ والد إيف يتغلّب بمفرده على قارب مليء بالقتلة، أو مشهد إبادة إيف لسكان قرية نمساوية قاتلة بالكامل.
الأسلحة الخارجة عن المألوف أمر مفروغ منه، ويجد الفيلم متعة خاصة في استخدام كل شيء، من أواني الطهي الفاخرة إلى أحذية التزلج على الجليد. حتى أنّ هناك شخصية ضخمة على هيئة دولف لندغرين تحمل قاذف لهب.
بين الحين والآخر، يتوقف هذا الجنون الدموي المحموم وقفة احترام لإفساح المجال أمام أساطير التمثيل الإنكليزية والأيرلندية، لتقديم لحظات خاطفة من الجدّية. يظهر إيان ماكشين بدور وينستون الأنيق والمهدّد في آن، ليقدّم نصائح أبوية ويُلقي تلميحات مبهمة عن النسب الحقيقي لإيف، ويظهر غابرييل بيرن كرئيس غامض للعائلة المنافسة وحامل لمزيد من الأسرار العائلية.
كل ذلك يبدو كثيراً على إيف، التي تبدو أكثر ارتياحاً من كونها خائفة، حين يظهر جون ويك نفسه بعقد لوقف موجة عنفها الفردية. وأظن أنّ الجمهور سيشعر بالامتنان عينه.
ومع أنّ الوجوه المألوفة تبعث على السرور (بما في ذلك لانس ريديك، الذي توفي عام 2023، كمدير فندق الكونتيننتال الأنيق)، إلّا أنّ ما يفتقر إليه الفيلم هو أي حسّ بالمرح. دي أرماس تجسّد الكمال الجسدي، لكنّني لطالما وجدتها مملة، وهنا تبدو غافلة تماماً عن السخافة الممتعة لشخصية تؤدّي حركات «باليه» نهاراً وتضرب بالمسدس ليلاً.
ما يترك أكثر مشاهد الفيلم تسلية للممثل نورمان ريدوس، الذي يؤدّي دور الهارب المتسخ دانيال باين، المتحصّن في فندق الكونتيننتال في براغ مع ابنته الصغيرة. وبدا وكأنّه يحرص على الحفاظ على شخصية «داريل ديكسون» من مسلسل «الموتى السائرون»، إذ بدا ريدوس غريباً تماماً عن هذا العالم المصمّم على المقاس مثل الزومبي الحقيقي.
ومع ذلك، فإنّ تركيز الفيلم على اختطاف الفتيات الصغيرات لأغراض خبيثة وغير محدّدة مسح الابتسامة عن وجهي، إذ لا يمكن تجاهل رائحة الإتجار بالبشر.
وبقدر ما هو خالٍ من الجنس مثل أي فيلم لتيم بورتون، يلتزم «راقصة الباليه» باتفاق غير معلن على ما يبدو، يقضي بأن تكون سلاسل أفلام الحركة الموجّهة للبالغين في العصر الحديث عفيفة، بل ما بعد جنسية.
النساء الجميلات يتسلّقن سلّم الاغتيال، لكن لا يخرجن من بذلاتهنّ الضيّقة. وهذه العقيمة لا تعني فقط غياب العري، بل تفرض أيضاً صرامة عاطفية وروحية تستبدل الغزل الدافئ بالسخرية الذكية. لا تنسَ أنّ من أعظم متع أفلام جيمس بوند القديمة كانت فترات استراحاته الغرامية المنتظمة.
بتوقيع المخرج لين وايزمان، الذي أدار الفيلم بكفاءة صناعية، يبدو «راقصة الباليه» سطحياً على نحو مهين، وغامضاً على نحو مزعج، إذ لا تترك عاصفة الأحداث غير المتدرّجة مجالاً للتفاصيل الدقيقة أو الشخصية.
وبحلول اللحظة التي نرى فيها كيانو ريفز، الذي ربما مات في «الفصل الرابع» (2023)، يبدو ويك وكأنّه طيف، تذكير خارق للطبيعة بسبب مشاهدتنا للفيلم. وجوده لا يؤدّي سوى إلى إبراز ما يفتقده هذا الفيلم: الحضور، الوعي الذاتي المرح، والبرودة العفوية الممتعة. وقبل كل شيء، يذكّرنا بأنّه عالم كيانو، والجميع هنا مجرّد زائرين.