في مواجهة العاصفة: لا عدالة بانتقاء الذاكرة ولا وحدة بكتم الحقيقة

خاص الصدارة نيوز…

في سياق الانهيارات المتتالية التي تعصف بسوريا منذ سنوات، تبدو السويداء اليوم في عين العاصفة. لكن العاصفة الحقيقية ليست فقط أمنية أو معيشية، بل هي أخلاقية قبل كل شيء، خاصة حين يُستباح الضمير تحت عناوين 'وحدة الصفّ' و'سترة الأهل'، كما فعل السيد وئام وهاب في رده على النائب السابق وليد جنبلاط.

قال وهاب: 'بالله عليك، كيف تسمح لنفسك باتهام أهل السويداء بالمجازر ضدّ البدو، وأنت شاهدت ما حصل بأهلنا؟ هل أُرسل لك الجرائم الموثّقة؟ يا رجل استرنا.'

وهنا نحتاج أن نسأل: مَن الذي يجب أن 'يستر' الحقيقة؟ وهل بالستر تُصان وحدة الصفّ؟ أم أن تجاهل الجرائم والانتهاكات سيمنح الضحايا عزاءً وعدالة؟

‎حين تُنتقى الضحية

ما قاله جنبلاط، بحسب ما نُقل عنه، حول 'ارتكاب بعض فصائل السويداء جرائم بحق أهلنا من العشائر'، ليس اختراعًا من فراغ. بل هو توصيف لواقع موثق بالصور والتسجيلات، الحقيقة، ببساطة، هي أن ما ارتكبته بعض الفصائل المسلحة في السويداء بحق العشائر السنية، لا يقل فظاعة عن أي جريمة ندد بها المجتمع الدولي. فهل المطلوب أن نغض الطرف، فقط لأن الفاعل ينتمي إلى طائفة معينة؟ أو لأننا نخشى من تفكك الجبل إذا قيلت كلمة الحق؟

‎إن دماء الضحايا لا تُفرّق بين درزي وسني وبدوي. وإن منطق الانتقاء في الإدانة يفتح الباب لتكرار المأساة. من ارتكب جريمة يجب أن يُحاسب، أياً كانت طائفته أو انتماؤه، وهذا أول شروط الإنصاف.

‎سردية 'حماية الجبل'… مطلب إسرائيلي؟

‎المفارقة أن وهاب، في سعيه لتثبيت رواية 'الانتماء الجبلي' المتماسك، يروج لخطابٍ يصبّ في صميم المشروع الإسرائيلي. فالمطالبة بتقسيم المجتمع السوري على أساس الهويات الطائفية أو المناطقية هو ما تسعى له إسرائيل منذ عقود. وهل سردية 'حماية الجبل' سوى تكرار لرغبة تل أبيب في تفتيت المنطقة إلى كانتونات مذهبية متناحرة؟

‎العدالة لا تتجزأ، كما لا يمكن حصر المظلومية في زاوية واحدة. من يريد حق الدروز، عليه أن يقرّ أيضاً بحق السنة. من يطالب بمحاسبة من اعتدى على أهل الجبل، عليه أن يطالب بمحاسبة من خطف وذبح واعتدى على أهل العشائر.

‎الستر لا يكون على حساب الحقيقة

‎حين يقول وهاب 'يا رجل استرنا'، فهو عملياً يدعو إلى طمس الحقائق. لكن الستر لا يكون على حساب الحقيقة. العدالة، إذا كانت مشروطة بالصمت، تصبح ظلمًا مقنعًا. وإذا كانت الوحدة الوطنية تعني السكوت عن المجازر، فهي وحدة مبنية على هشيم الكذب.

‎ما نحتاجه اليوم ليس 'سترة' إعلامية ولا صفقات سياسية فوق دماء الناس، بل عملية مصالحة وطنية شاملة، تبدأ من الاعتراف المتبادل بالجرائم، وتنتهي بمحاسبة المجرمين، أيّاً كانت رايتهم أو مرجعيتهم.

‎كلمة أخيرة

‎لا يمكن بناء وطن أو مجتمع متماسك على أنقاض المجازر المسكوت عنها. من واجب السياسيين، لا سيما من يحملون إرثًا طويلاً في العمل الوطني كوليد جنبلاط، أن يقولوا ما لا يجرؤ الآخرون على قوله. أما من يريد 'ستر' الحقيقة، فربما يخشى أن يكون شريكًا في نتائجها.