اخبار لبنان
موقع كل يوم -الهديل
نشر بتاريخ: ١٧ تموز ٢٠٢٥
خاص الهديل…
بقلم: ناصر شرارة
لا يمكن النظر إلى أحداث السويداء بعيداً عن ما حدث في المنطقة منذ ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ حتى هذه اللحظة.. وتبدو أحداث السويداء بمثابة حرب كاملة في سورية وعلى سورية وحرب إقليمية ومفتوحة على تدخلات دولية في نتائجها.
وبهذا المعنى فإن السويداء هي رقعة شطرنج مصغرة عن المنطقة الآيلة لأن تعيد الدول الكبرى وجهة نظرها بخصوص توزع أحجار الشطرنج فوقها والمستقرة تقريباً على نفس تموضعها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حتى الآن.
لن يكون سهلاً مراقبة ما يحدث من دون تفكيك المشهد إلى أجزائه الأساسية بغية تنقية الوقائع من الاختلاطات التي تشوبه؛ وهي كثيرة وكثيفة ومانعة للرؤية:
في خلفية مشهد حرب السويداء يوجد جذر المشكلة وهو التنافس الإقليمي الصاعد بين إسرائيل وتركيا. الانسحاب الإيراني من المنطقة ترك فراغاً جيوسياسياً لم يتم حتى الآن الاتفاق على تعبئته بين أنقرة وتل أبيب. وحتى التدخل الأميركي لم يزال من دون رؤية نهائية حول كيف ينجح توماس براك في احتواء الصراع الجيوسياسي بين تركيا وإسرائيل الذي تعتبر سورية ساحته الرئيسة.
.. بالنسبة لنتنياهو فإن خصمه المقبل بعد إيران وربما إلى جانب إيران هو تركيا. هاتان الدولتان تمارسان نفس اللعبة وهي توسل دورهما الإقليمي من خلال رفعهما الشعار الفلسطيني؛ وربما تكون تركيا أخطر من إيران على إسرائيل بهذا المجال؛ والسبب هو أن تركيا تتبنى زعامة إسلامية سنية ذات الأغلبية في المنطقة، بينما طهران تعتبر محوراً شيعياً داخل الإسلام الحركي السني الواسع.
وبكل حال فإن أنقرة أنجزت خلال الأشهر الأخيرة عملية إعداد جبهتها الداخلية لتصبح قادرة على الانخراط من موقع قوى بأخذ حصتها فوق رقعة شطرنج المنطقة التي تتغير باضطراد مع مرور كل يوم جديد.
والواقع أن مصالحة الدولة التركية مع حزب العمال الكردستاني عكس توجهاً تركياً حاسماً لإنجاز تحالف داخلي له هدف أساسي: الاستعداد للمعركة الجيوسياسية مع إسرائيل وحماية الداخل التركي من أفضل سلاح استراتيجي تملكه إسرائيل وهو اختراق الموساد لجبهات الأعداء الداخلية.
لقد رأت تركيا بأم عينها كيف حسمت إسرائيل الحرب قبل وقوعها مع حزب الله عبر الضربة الاستراتيجية الاستخبارية (البيجر واغتيال المستوى القيادي الأول والثاني)، وكيف كادت تسقط النظام الإيراني من خلال فتح جبهة داخلية معه قادتها الموساد داخل إيران.
بالمقابل يبدو أن إسرائيل أنجزت خلال لقاء نتنياهو المغلق الأخير بترامب مقومات الشراكة معه بخصوص نقطة أبعد من غزة؛ وهي هندسة المساحة الجديدة في الشرق الأوسط؛ وهي حصراً المشرق العربي الذي تقف على طرفيه تركيا وإسرائيل.
واضح أن تجربة عام ٢٠١١ التي كانت تريد تغيير كل أنظمة حكم دول الشرق الأوسط تم استبدالها الآن بخطة تغيير الصورة الجيوسياسية لمنطقة المشرق العربي فقط؛ كونه هو مسرح الحدث؛ وتغييره سيتم على نحو يحقق أمرين إثنين استراتيجيين: الأول- إيجاد حصانة طويلة الأمد لأمن إسرائيل؛ ثانياً- تحويل المشرق إلى أحزمة أمنية متتالية لأمن إسرائيل بكل مستوياته.
ثانياً- وراء مشهد حرب غزة يوجد المشهد الثاني للتوظيف الآخر لنموذج الرئيس أحمد الشرع؛ فنتنياهو لا يريد سحب صورة أحمد الجولاني عن طاولة التفاوض الدولي على مستقبل سورية وعلى حصة إسرائيل فيها بمقابل حصص الآخرين وبخاصة تركيا وبدرجة تالية السعودية وروسيا.
وكلما أراد نتنياهو إضعاف موقف أنقرة في سورية فهو سيرفع بوجهها صورة الجولاني ما يعني عدم اعترافه بالمسافة التي قطعها الجولاني بمساعدة تركيا باتجاه نموذج أحمد الشرع؛ وأيضاً كلما أراد نتنياهو الحصول على مكاسب من دمشق، فهو يضع على الطاولة صورة أحمد الشرع ليساوم ويبتز الموقف السوري. لا يختلف إثنان على أنه يوجد لنتنياهو مصلحة في إبقاء نموذج دمشق الحالي داخل سجن الجولاني؛ وأيضاً للاستمرار بالتلويح بأن إسرائيل تريد ثمناً لها اذا أراد الجولاني أن تشتري منه صورة أحمد الشرع!!
ثالثاً- حرب السويداء انتهت على نتيجة أساسية وهي أنها رسمت حدود 'كانتون الجنوب' تحت الحماية الاإسرائيلية؛ بحيث صار ممكناً تحويلها إلى دولة قائمة وناجزة؛ فيما لو وجدت تل أبيب أن ذلك في مصلحتها وأن ذلك هو الخيار الأفضل لها بمواجهة تركيا من جهة وبمقابل الدور العربي في سورية من جهة ثانية.
لا شك أن دمشق تعيش حالياً بين ثلاثة اتجاهات تؤثر عليها: اتجاه يريدها أن تدير وجهها صوب أنقرة. واتجاه يريدها أن تدير وجهها صوب تل أبيب؛ واتجاه ثالث يريدها أن تعود لفضائها العربي.
ليس واضحاً بعد كيف سيرد العرب على نتنياهو؛ وذلك ليس في سورية بل في الولايات المتحدة الأميركية التي ظلت حتى وقت متأخر من يوم أمس تستمع فقط إلى السردية الإسرائيلية بخصوص ما يحدث وما يجب أن يحدث في سورية؛ وليس واضحاً بعد كيف سترد تركيا في سورية وأمام توماس براك على ما فعله نتنياهو في سورية في اليومين الأخيرين؟؟.
.. باختصار يمكن القول أن حرب السويداء فتحت الباب أمام مرحلة جديدة ليس فقط في سورية بل في المنطقة!!