اخبار لبنان
موقع كل يوم -أي أم ليبانون
نشر بتاريخ: ١٩ تشرين الثاني ٢٠٢٥
كتبت ندى أندراوس في 'المدن':
جاء إلغاء واشنطن زيارة قائد الجيش العماد رودولف هيكل ليكشف أنّ النقاش حول خطة حصر السلاح لم يعد محصوراً بالبُعد الميداني جنوب الليطاني، بل بات جزءاً من مقاربة أميركية أوسع، تربط بين أداء المؤسسة العسكرية وما تنتظره واشنطن من الدولة والحكومة على مستوى الإصلاحات المالية والإدارية الشاملة. فالإدارة الأميركية، التي ترفع لواء دعم الجيش نظرياً، تبدو في الواقع أكثر تشدّداً في تقويم مسار خطة ضبط السلاح، وفي مطالبتها بتنفيذها كاملة وفق الجدول الموضوع، بالتوازي مع التزام حكومي واضح بالإصلاحات التي تشكّل شرطاً ضرورياً لضمان إستمرار المساعدات العسكرية والمالية.
بهذا المعنى، لم يكن إلغاء الزيارة حدثاً بروتوكولياً، بل رسالة مباشرة بأنّ الدعم الخارجي لم يعد مفصولاً عن المسار السياسي الداخلي، وأنّ واشنطن تريد من بيروت ما هو أبعد من النجاح التقني للخطة جنوباً: تريد إصلاحاً مالياً حقيقياً، وهيكلة واضحة لإدارة الدولة، وقدرة تنفيذية لا تربكها الانقسامات السياسية، ومساراً ثابتاً يضمن أن حصر السلاح لن يتعثر حين تنتقل الخطة إلى مرحلتها الثانية شمال الليطاني.
وبينما يتقدّم الجيش ميدانياً وفق ما تسمح به الظروف والقدرات، تتزايد الضغوط الأميركية على الحكومة لضبط الإيقاع السياسي بما يضمن إستكمال تنفيذ الخطة من دون تردد، فيما تتمادى إسرائيل في خروقاتها وتضغط لتغيير قواعد الاشتباك. وهكذا يصبح المشهد ثلاثي الأبعاد: جيش ينجز على الأرض، وقرار سياسي مفكك، وشروط خارجية متشددة تربط الدعم بالإصلاحات وبالتزام الدولة خطتها كاملة. وفي هذه اللحظة الدقيقة، تمضي المؤسسة العسكرية في مهمتها، وسط خشية من أن يتحول الضغط السياسي الدولي إلى عامل يقيّد الإنجاز الميداني بدل أن يدعمه.
إنتشار متماسك: 44 نقطة مراقبة و200 موقع ثابت
في ما خص خطة الجيش لحصر السلاح، تؤكّد جهات عليمة بتفاصيل تنفيذ الخطة أنّ الجيش اللبناني بات اليوم القوة الوحيدة الممسكة ميدانياً بمنطقة جنوب الليطاني، بعدما فرض إنتشاراً واسعاً ومنسقاً ضمن المرحلة الأولى من خطته لحصر السلاح بيد الدولة. وهذه المرحلة، تمتد حتى نهاية كانون الأول 2025، على أن يعرض قائد الجيش العماد رودولف هيكل التقرير الثالث مطلع كانون الأول يليه التقرير الرابع والأخير من المرحلة الأولى مطلع كانون الثاني 2026.
هذه المهل الزمنية ليست إجرائية فقط، بل ترتبط حصراً بحجم التقدم الميداني، وبقدرة المؤسسة العسكرية على تجاوز التحديات التي ترافق تنفيذ الخطة، وسط بيئة أمنية وسياسية شديدة التعقيد.
تُظهر المعلومات الميدانية الموثقة في تقرير الجيش الثاني، والتي إطلعت عليها 'المدن'، أنّ الجيش نفّذ إنتشاراً شاملاً ومنظماً منذ اليوم الأول جنوب الليطاني، مع تثبيت:
هذا الانتشار يشمل القطاعات الغربي والأوسط والشرقي، ويترافق مع تكثيف غير مسبوق للدوريات على مدار الساعة، ما أدى إلى السيطرة الفعلية على كل الطرق والممرات والمسارات المعقدة في محيط البلدات الجنوبية.
مسح جغرافي واسع… وتضاريس تتحدى القدرات
بدأت وحدات الجيش عمليات المسح على مساحة 172 كلم²، قبل أن يُضاف ملحق يوسّع النطاق إلى 225 كلم². وحتى الآن، تمّ إنجاز 64% من هذه المساحة، مع خطة واضحة لاستكمالها مع نهاية العام.
لكنّ طبيعة الأرض تعرقل العمل، إذ إن 24 % من مساحة المسح تتألف من جبال ووديان، و15 % من المنحدرات الحادة.
أي أن نحو 40% من العمل يتمّ في جغرافيا صعبة للغاية، تتطلب مجهوداً تقنياً وهندسياً ضخماً، بينما يعمل الجيش بإمكانات محدودة، ما يضاعف التحدي ويطيل زمن الإنجاز.
238 عملية من دون أي توجيه خارجي
تبيّن الوقائع أن الجيش يعتمد قراراً عملياتياً مستقلاً. فخلال الشهرين الاولين، نفذ الجيش 238 مهمة كشف وضبط أسلحة ومداهمة من دون أي توجيه من الميكانيزم، مقابل 78 مهمة فقط إعتمد فيها على بلاغات الميكانيزم أو إسرائيل عبر الميكانيزم. كما أن الجيش يعمل جنوب الليطاني على جبهات عدة ومتشعبة. وهو ينفذ شهرياً 4300 مهمة مختلفة، إضافة إلى 1700 مهمة مشتركة مع قوات اليونيفيل.
وهي عمليات تشمل النقل، الدوريات، مراقبة الحدود، الأمن، ومؤازرة المجتمع المحلي، إجتماعياً، معيشياً، صحياً، وزراعياً، ما يعكس حجم العبء الذي تتحمله المؤسسة العسكرية وحدها.
أكثر من 150 نفقاً
عرض العماد رودولف هيكل في خلال جلسة مجلس الوزراء جدولاً مفصلاً بما ضُبط من ذخائر وأسلحة ومخابىء وأنفاق خلال شهرين، ومنذ وقف الأعمال العدائية في تشرين الثاني العام 2024. ويشمل أبرزها:
ويكشف الجدول أنّ هناك مضبوطات غير صالحة للاستعمال بسبب التخزين غير المطابق أو عدم ملاءمتها لسلاح الجيش، ما يستدعي تفجيرها أو إتلافها بطريقة مضبوطة. وفي هذا الاطار، تنفي المصادر المطلعة على عمل الجيش، كل ما تردد عن رضوخ المؤسسة العسكرية لضغوط إسرائيلية أو إملاءات خارجية تفرض عليها تفجير سلاح حزب الله، إنما الجيش يحفظ ما يرى حاجة إليه من السلاح المضبوط ويتعامل مع ما لا يريد أو يحتاج منه. وأكثر من ذلك، وضع الجيش يده حالياً على أكثر من 1000 موقع، لا تزال هذه المواقع قيد التقويم الرقابي قبل أن تبدأ وحداته معالجتها بشكل نهائي..
العقدة الفعلية
تقول الجهات المواكبة لتنفيذ الخطة إنّ التحديات التي تواجه الجيش لم تتبدّل منذ إنطلاق العمل، وبالتالي فإنّ عودة قائد الجيش إلى مجلس الوزراء في الشهرين المقبلين ستتيح له عرضاً مفصّلاً للتحقيقات الميدانية جنوب الليطاني. لكنّ ذلك لن يبدّل في حقيقة أساسية: أن المرحلة الأولى مستمرة بشكل فعّال، لكنّ الانتقال إلى المرحلة الثانية لا يزال رهناً بشروط دقيقة، أبرزها إذا لم تتوقف الخروقات والانتهاكات الإسرائيلية التي تقيّد تحرك الجيش وتستنزف وحداته ، وإذا لم ينسحب الجيش الإسرائيلي من النقاط الخمس والمناطق العازلة وتتراجع عن إقامة الجدار العازل، وهو شرط أساسي لاستكمال بسط سلطة الدولة جنوباً. وإذا لم يُؤمَّن للجيش الدعم الضروري لتطوير قدراته وتحسين ظروف عيش جنوده، سواء من الدولة أو من الجهات المانحة، فإن هذه العوامل الثلاثة ستبقى عائقاً يمنع الانتقال السلس إلى المرحلة الثانية من الخطة، أي استكمال بسط سلطة الدولة جنوباً وصولاً إلى الحدود الدولية ثم حصر السلاح شمال الليطاني.
وتشدّد الجهات نفسها على أنّ الوضع بالغ الصعوبة، وأنّ الجيش يخوض جهوداً ضخمة لا تقتصر على ملف السلاح بل تشمل مكافحة المخدرات والإرهاب، وحماية الاستقرار الداخلي وضبط الحدود. ورغم ذلك، يظلّ ثابتاً أنّ الجيش لن ينجرّ إلى أي مواجهة داخلية، ولن يغامر بالسلم الأهلي، ولن يخضع لأي ضغط، بل يواصل بهدوء ودقة تنفيذ مهماته جنوباً وبالتوازي إحتواء السلاح شمال النهر إلى الحدود السورية.
وتلفت المعطيات إلى أنّ الضغوط الإسرائيلية المتزايدة، بما فيها المطالبة بتفتيش المنازل والتدخل في كيفية إدارة الجيش لنقاطه ومداهماته ، تصعّب عمل الجيش الذي يتحرك تحت القصف والخروقات. وفي كل جلسة حكومية يحضرها قائد الجيش يوجه رسالة شديدة اللهجة محذّراً من خطورة هذه المسارات على كرامة الجيش وهيبته، ومن إستغلالها لإرباك مهماته. ورغم ذلك، يرفض الانخراط في التجاذبات السياسية، ويذكّر الموفدين والمانحين بأنّه لا يمكن مطالبة الجيش بما يفوق قدراته، فيما الطرف الآخر متحرّر من أي ضوابط، من دون أن يُمنح الجيش الوسائل التي تتيح للبنان إعادة بناء الدولة وبسط سلطتها على كل الأراضي.
ومع ذلك تلتزم المؤسسة بسياسة ثابتة:
لا مواجهة داخلية، لا إنجرار إلى فتنة، ولا انصياع لضغط سياسي أو خارجي.
إنجازات ميدانية تُسابق عقارب السياسة
المشهد الجنوبي اليوم يعكس سيطرة كاملة للجيش اللبناني على الأرض، وإنتشاراً ثابتاً ومهماً، وتقدّماً هندسياً وتقنياً في كشف الأنفاق والمنصات والمخابئ. لكنّ هذا التقدم، على أهميته، يصطدم بواقع سياسي وأمني دقيق يجعل المرحلة الثانية من الخطة رهينة الظروف.
ورغم ذلك، تستمر المؤسسة العسكرية في تنفيذ مهماتها جنوباً، وفي إحتواء السلاح شمال النهر وصولاً إلى الحدود مع سوريا، ضمن مسار طويل لاستعادة الدولة سلطتها على كامل الأراضي اللبنانية.
الجيش، كما يتضح من الوقائع، يقوم بجهد جبّار بمعايير الإمكانات المتاحة. لكنّ إستمرار هذه المهمة مرهون بأن يتلقى ما يحتاج إليه من دعم، كي لا يُترك وحيداً في مواجهة ظروف تتجاوز قدرته، وتفوق ما يفترض أن يتحمله طرف واحد في معادلة إقليمية معقدة.











































































