اخبار لبنان
موقع كل يوم -نداء الوطن
نشر بتاريخ: ٢٠ أيار ٢٠٢٥
مع بدء سريان وقف إطلاق النار في 27 تشرين الثاني 2024، ووسط تلكؤ السلطة اللبنانية عن القيام بواجباتها 'الدنيا' في مسح الأضرار التي خلفتها معركتا 'أولي البأس' و'سهام الشمال' في 'حرب الإسناد'، وغيابها وأجهزتها عن السمع، باشرت جمعية 'جهاد البناء الإنمائية' التابعة لجماعة 'حزب الله' بعمليات مسح دقيقة ومنظمة في مختلف المناطق التي كانت ساحة لتلك المعارك، مستعينة بكادر بشري متخصص وإطار تنظيمي محترف، حيث أبلغ مدير عام 'مشروع الترميم والإعمار - 2024' في الجمعية المهندس حسين خير الدين الوكالة الوطنية للإعلام، الوكالة الرسمية اللبنانية، عن أنواع الأضرار في المباني، وعن أضرار زراعية واقتصادية وأضرار الآليات'، وأوضح للوكالة أن 'حجم الأضرار أكبر بكثير من العام 2006'، وشرح كذلك عن التعويضات وطريقة دفعها.
أكملت 'جهاد البناء' مسحها وأقرت التعويضات وبدأت الدفع، فيما السلطة اللبنانية بإداراتها وأجهزتها الرسمية لم تباشر حتى اليوم بمسح للأضرار، وما زالت تتحدث عن مشروع لإعادة الإعمار، وكأن هذه المناطق هي ضمن دولة أخرى أو قد تنازلت عن إدارتها لجهة أخرى. وإن كانت حكومة فؤاد السنيورة عام 2006 قد وافقت راضية أو خانعة على تلزيم 'شركة وعد' التابعة لجمعية 'جهاد البناء' إعادة إعمار الضاحية، فإن جلسات التفاوض لطريقة إعادة الإعمار بدأت تتسرب من السراي الحكومي من لقاءات المعاون السياسي للأمين العام لـ 'حزب الله'، الحاج حسين الخليل ورئيس مجلس الوزراء نواف سلام، على أمل أن تحافظ الدولة اللبنانية على سيادتها في الإعمار بعد أن تلكأت في واجباتها بالمسح والتخمين.
وفي ظل تخبط السلطة اللبنانية وإداراتها في ملف الإعمار، برز التنظيم والاحتراف لجمعية 'جهاد البناء'، فمن هي هذه الجمعية وكيف أضحت وزارة الإنماء في مناطق المجتمع الشيعي؟
التطور التاريخي
تأسست مؤسسة 'الجهاد من أجل البناء' في الجمهورية الإسلامية الإيرانية في 17 حزيران 1979 بعد أربعة أشهر من انتصار الثورة الإسلامية بأمر من قائد الثورة الخميني، في سبيل 'دعم الطبقات الأكثر محرومية في البلاد'، كما عملت على دعم الجبهة الخلفية الإيرانية في حربها مع العراق وتقديم المساعدات إلى المناطق المتضررة بالحرب.
وبحسب كتاب 'تاريخ شيعة لبنان' في جزئه الثاني الصادر ضمن الموسوعة الشيعية عن 'أمم للتوثيق والأبحاث' عام 2023، كانت تباشير دخول 'جهاد البناء' إلى لبنان مع طلائع المتطوعين الإيرانيين في 1 كانون الثاني 1980، إذ أكد قائد الحملة الشيخ محمد منتظري في مؤتمر صحافي عقده في مسجد جامعة بيروت العربية أن 'خطّتنا هي إرسال الألوف تلو الألوف من المتطوّعين للانضمام إلى أولئك الذين وصلوا'. وأكد أنَّه دخل لبنان من طريق سوريا، وأنَّه وجماعته لا يعترفون بقرار الحكومة القاضي بمنعهم، مشَدِّداً على أنَّ 'المتطوّعين سيأتون ليس للقتال فحسب بل للاشتراك في إعادة البناء'. وذكر أنَّ 'المجلس الثوري' الحاكم في إيران قدَّم عشرة ملايين ليرة إلى لجنة شعبيَّة إيرانيَّة لبنانيَّة مشتركة مَهمّتُها تخصيص أموالٍ لمشاريع مثل بناء المستوصفات ...'.
وبالتالي خَبِر القيّمون على مشروع تصدير الثورة الإسلامية أهمية العمل الإنمائي المترافق مع المشروع الجهادي. وبحسب كتاب 'شيعة لبنان في الاقتصاد' الصادر عن نفس المؤسسة، تعتبر مؤسسة 'جهاد البناء' من أقدم المؤسسات التي أنشأها إيرانيون في لبنان دعما' لنشاط 'حزب الله'، فكانت تُقدِّم المساعدات الماليَّة للمنضوين تحت إطار 'أمة حزب الله'، كما قامت بأعمال إعادة الإعمار والبناء ووفرَتْ خدماتِ الطاقة من ماء وكهرباء.
الإطار القانوني والهيكلية:
حازت على علم وخبر رقم 239 /أ.د في 9 أيلول 1988 من وزير الداخليَّة عبد الله الراسي، وحصلت باسم جمعيَّة 'مؤسسة جهاد البناء الإنمائيَّة' على صفة المَنفعة العامة في 25 تشرين الأول 2000 من وزير الشؤون الاجتماعيَّة ميشال موسى بالمرسوم رقم 4277. فيها العديد من الأقسام، منها ما تأسَّسَ منذ انطلاقتها، وأخرى أُضيفت مع تطورها على مر السنين. ولعل 'مشروع وعد' الذي أُطلِق في 25 أيار 2007 لإعادة إعمار الضاحية الجنوبيَّة بعد حرب تموز 2006، من أهم المشاريع التي أنجزها، وقد استحصلَتْ إدارتُه على توكيلاتٍ من شاغلي كلِّ عقارٍ تهدَّم في المنطقة، مع إقرارٍ بقبض التعويضات من الدولة اللبنانيَّة مِن المؤسسة الموكلة بهذا المشروع، على تسليم أصحاب العقارات إياها بعد إنجازها، ما سمح ببِناء المنطقة وفق ما يَرتئيه 'حزب الله'.
يتواجد في الجمعية العديد من اللجان، كاللجنة العمرانية واللجنة الفنية واللجنة المائية ولجنة الطرق واللجنة الصناعية واللجنة البيئية واللجنة الزراعية، كما تدير الجمعية العديد من المراكز الزراعية التي تعنى بتدريب وتقديم الشورى الزراعية للفلاحين ومنها مركـز الشـهيد عبـاس الموسـوي (دورس) ومركز الفردوس الزراعي (النبطية)، مركز أبي ذر الغفاري (صور) ومركز الإمام الجواد (الهرمل)، وتحتوي على قسم تعبئة الطاقات أو الموارد البشرية، وقسم إعلامي، وعلى أربع مديريات مناطقية ، البقاع ، الجنوب الأولى والثانية، ومديرية لبيروت وجبل لبنان والشمال، وأطلقت الجمعية معرض 'سوق أرضي' منذ عام 2007 ويجمع المنتجات البلدية والمونة للجمعيات التعاونية الزراعية التي تشرف عليها الجمعية، كما يشارك في المعرض المئات من صغار المنتجين المشاركين في ورش الجمعية التدريبية.
حظرتْ وزارةُ الخزانة الأميركيَّة في 20 شباط 2007 على المواطنين والشركات في الولايات المتحدة التعامل التجاري مع 'جهاد البناء'، وقررت تجميدَ أصولها هناك، واتهمتها الوزارة الأميركيَّة باستخدام وسائل خداع لتمويل مشاريعها من منظمات التنمية الدوليَّة، و 'جمع الأموال للمنظمات الإرهابيَّة...» ثمَّ وضعَها مجلس النواب الأميركي على لائحة عقوبات في 26 تشرين الأول 2017.
رغم تعرضها للعقوبات لم يتوقف العمل في الجمعية، بل تم الاعتماد على الجمعيات الرديفة والصديقة ولا سيما في مجال التدريب والإرشاد الزراعي والمهني، فتم إطلاق مبادرة 'شتلة وحرفة' التي تسعى إلى تنمية التواصل وتحويل منهجية التدريب الحضوري إلى تدريب إلكتروني، وفعّلت 'جمعية البركة' عملها على صعيد التدريب المهني والحرفي بالتعاون مع البلديات ووزارة العمل، كما تم إطلاق معرض 'صناعتي' من قبل الجمعية اللبنانية للمعارض والأسواق بالتعاون مع وزارة الصناعة منذ عام 2023.
لا شكّ أن الإمكانات والطاقات المتوفرة في هذه المؤسسة تتعدى نطام عالم المجتمع المدني والجمعيات لتتحول إلى إطار تنظيمي هيكلي منظم، يتسع نطاق عمله لمختلف مناطق المجتمع الشيعي ويمكن أن يتعداه إلى مناطق المجموعات الأخرى، لتتحول إلى إدارة أو وزارة عامة تتولى الشؤون الإنمائية والخدماتية والحياتية للمواطنين في تلك المناطق في طريق الدخول إلى 'دولة الولاية' والخروج من 'الدولة القلقة والمضطربة'.