اخبار لبنان
موقع كل يوم -الهديل
نشر بتاريخ: ١٥ أيلول ٢٠٢٥
خاص الهديل….
قهرمان مصطفى…
في أواخر عام 2024، أقدمت مجموعة صغيرة من المستوطنين الإسرائيليين المتطرفين على عبور الحدود إلى داخل لبنان وإقامة بؤرة استيطانية مؤقتة. لم تكن هذه الخطوة فردية أو معزولة، بل جاءت بقيادة حركة 'أوري تسافون'، وهي منظمة صهيونية دينية لطالما دعت إلى توطين اليهود في جنوب لبنان؛ ناهيك إلى أن هذه الرؤية ليست حكراً على تلك الحركة فقط، بل تتبناها أيضاً حركة 'نحالا' الاستيطانية، التي تروّج عبر منصاتها الإعلامية لفكرة التوسع الاستيطاني باعتباره امتداداً طبيعياً للمشروع الصهيوني؛ حيث تقول الحركة في إحدى تصريحاتها بأن 'أرض إسرائيل لأجدادنا ولايجب تركها للأجانب'.
وتحظى الحركة بدعم شخصيات نافذة مثل دانييلا فايس، الملقبة بـ'عرابة المشروع الاستيطاني الصهيوني'، التي لا تكتفي بالدعوة إلى التوسع في الضفة الغربية، بل تطالب بمدّ الاستيطان ليشمل غزة ولبنان ومناطق أخرى أبعد.
وعليه لم يكن الأمر مجرد شعارات، فقد نُشر في ديسمبر 2024 على موقع فيسبوك منشور صريح جاء فيه: 'الاستيطان اليهودي هو السبيل الوحيد لتحقيق الاستقرار والأمن لإسرائيل، إلى جانب اقتصاد متين ومناعة وطنية وقوة ردع'. وأضاف المنشور محدداً: في غزة، وفي لبنان، وعلى كامل هضبة الجولان بما في ذلك ما يسمى بالهضبة السورية، وعلى جبل الشيخ بأسره.'
ولتعزيز هذا الطرح، أُرفق بالمنشور خريطة توراتية بعنوان 'حدود إبراهيم'، تُظهر إسرائيل متسعة لتضم لبنان كاملاً ومعظم سوريا والعراق. وعلى موقعها الإلكتروني، تشرح 'نحالا' بوضوح هدفها في مساعدة الحكومة الإسرائيلية على تنفيذ خطة رئيس الوزراء الأسبق يتسحاق شامير، التي تستند إلى توطين مليوني يهودي في الضفة الغربية.
قد يستخف البعض بهذه التصورات باعتبارها أوهاماً أيديولوجية لا تجد طريقها إلى الواقع. غير أن الوقائع تكشف العكس: نحن أمام مشروع استيطاني متطرف يسعى إلى اقتلاع الفلسطينيين والعرب من مساحات شاسعة من الشرق الأوسط.
وإذا كان من المتوقع أن تقابل هذه التوجهات بصلابة عربية، فإن رد الفعل العربي جاء باهتا للغاية. فلم يتجاوز موقف جامعة الدول العربية بيانات إدانة شكلية، تماماً كما كان حالها أمام المجازر في غزة.
ولم يتأخر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في إضفاء الشرعية السياسية على هذا التوجه. ففي مقابلة إعلامية حديثة، وصف نفسه بأنه في 'مهمة تاريخية وروحية'، وعندما سُئل بشكل مباشر إن كان يؤيد مشروع 'إسرائيل الكبرى'، أجاب بلا تردد: 'بالتأكيد.'
إن خطورة أيديولوجية 'إسرائيل الكبرى' لا تكمن فقط في طابعها التوسعي، بل في أنها تستند إلى جيش مدجج بالسلاح الغربي، وسط غياب أي دولة عربية أو إسلامية قادرة – أو راغبة – في مواجهته. وهنا يُطرح سؤال مقلق: ما الذي سيمنع نتنياهو أو أي خليفة له من المضي قدمًا في إقامة مستوطنات في لبنان وسوريا، أو حتى شن مغامرات عسكرية في العراق ومصر؟
الحقيقة أن إسرائيل لم تعترف يوماً بحدودها، بل تتعامل مع المنطقة بأسرها باعتبارها مجالاً مفتوحاً لمطامعها. وتستند في ذلك إلى اعتقاد متزايد بأن خصومها الأساسيين، كحزب الله وإيران، قد جرى تحييدهم أو إضعافهم.
وبينما ينشغل الإعلام الغربي بتصوير إيران على أنها 'الخطر الأكبر'، يتجاهل التهديد الأعمق والأقرب: مشروع توسعي إسرائيلي مدفوع بتطرف ديني يطمح إلى ابتلاع المنطقة.
خلاصة القول، إننا اليوم أمام ثيوقراطية صهيونية آخذة في التمدد، تحوّل الأوهام التوراتية إلى سياسات عملية. والتحذيرات واضحة: الخطر لم يعد بعيداً، بل يطرق الأبواب.