اخبار لبنان
موقع كل يوم -الهديل
نشر بتاريخ: ٦ أيار ٢٠٢٥
خاص الهديل…
بقلم: ناصر شرارة
كان لافتاً أمس أن إسرائيل نفذت في خلال ساعات قليلة اعتداءات عسكرية على ثلاث دول عربية وعلى غزة والضفة الغربية. وفي الإعلام العالمي وبضمنه العربي تم التعامل مع هذا الأمر وكأنه حادث سير انتهى من دون إصابات جرى في بلدة نائية في أطراف اليابان!!
قصفت إسرائيل أمس اليمن وجلس نتنياهو في غرفة عمليات محصنة يتابع تدمير ميناء الحديدة على البحر الأحمر بعيداً عن إسرائيل آلاف الأميال؛ وفي الوقت عينه كان وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس ينفذ تعليمات نتنياهو بتوجيه ضربات جوية لمواقع في عدد من محافظات سورية وضد عدد من الأهداف في جنوب لبنان وعلى السلسلة الشرقية؛ وصاحب ذلك مع تكرار المشهد اليومي المستمر منذ نحو ٦٠٠ يوماً بقصف غزة والضفة الغربية.
أكثر ما يلفت في هذا التطور هو أنه أصبح مشهداً مألوفاً لدى الرأي العام العربي والدولي ولدى الأمم المتحدة ومجلس الأمن؛ ولقد أصبح ينظر عالمياً إلى اعتداء إسرائيل على ثلاث دول عربية زائد غزة والضفة الغربية في يوم واحد وفي وقت واحد؛ على أنه من حالات الدفاع عن النفس وليس اعتداءً؛ وعلى أنه حق مكتسب لإسرائيل وليس تجاوزاً للقانون الدولي، الخ..
لم يعد الموضوع هو وقف الحرب على غزة ووقف الإبادة بل أصبح الموضوع رسم حدود النفوذ الإسرائيلي في المنطقة انطلاقاً من التسليم بأنه يجب التسليم بأنه لا يمكن الوقوف بوجه نتنياهو الذي قرر البدء بحرب تغيير الشرق الأوسط وأنه يجب التعايش مع فكرة تحول إسرائيل من دولة تمثل مصالح الغرب في الشرق الأوسط إلى دولة بات لها منزلة الدولة الامبراطورية في الشرق الأوسط.
يجتهد نتنياهو من أجل جعل المعنى الامبراطوري هو السمة الدالة على التطور الذي وصلت إليه إسرائيل كوجود وكدور في المنطقة؛ وهو في هذا التوجه يلتقي مع الأفكار التي تؤمن مجموعة من 'النخب السياسية' الحاكمة حالياً داخل تحالف اليمين القومي واليمين الديني الإسرائيلي:
بمقدمة هذه النخب يقف بنيامين نتنياهو نجل صهيون نتنياهو المؤرخ اليهودي والصديق الشخصي لمؤسس التيار الصهيوني الاسترجاعي أو الإصلاحي زئيف جابوتنسكي. نتنياهو هو صاحب نظرية أنه يجب على إسرائيل أن تخرج من سجن حرب غزة وذلك لمصلحة أن تصبح حربها في غزة منصة تنطلق منها إلى حرب طويلة الزمن هدفها تغيير الشرق الأوسط.
لقد عرف نتنياهو – للأسف – كيف يسجن القراءة العربية لسلوكه الاستراتيجي داخل نمطية تنظر إلى أفكاره على أساس أنها امتداد لأفكار زعماء إسرائيل الذين سبقوه؛ في حين أن نتنياهو ابتدع لنفسه طريقة عمل ووضع لنفسه لائحة مهمات لا تمت بصلة لنمطية أسلافه بالعمل رغم أنها تتفق مع أهدافهم الاستراتيجية في نواح وغايات عديدة. وربما وقع هنا سر نجاح نتنياهو بتضليل العرب من جهة وإفشال مهمة خصومه الإسرائيليين بإسقاطه. ربما هذه السطور لا تتسع لشرح هذه النقطة الهامة بشكل كاف؛ ولكن ما يجدر الإشارة إليه هو أن نتنياهو لا يستمر بالحرب لأنه فقط أو لأنه بالأساس يريد الهروب من المساءلة الداخلية؛ بل قبل ذلك لديه أسباب استراتيجية وخطرة يريد تحقيقها وبمقدمها تعزيز وتنفيذ نظرية شمعون بيريس عن دور إسرائيل في بناء الشرق الأوسط الكبير؛ ولكن بعد إجراء تعديلات جوهرية عليها أهمها أن تنطلق فكرة الهيمنة الاقتصادية الإسرائيلية على الشرق الأوسط من قاعدة التسليم بأنها القوة المهيمنة العسكرية وأنها بحسب دورها الجديد هذا تجاوزت مفهوم أنها شرطي مكلف من الغرب – حسب بن غوريون – أو أنها – مخفر غربي – في الشرق الأوسط حسب غولدا مائير، لتصبح حسب نتنياهو دولة إمبراطورية تمارس هذا المفهوم عملياً من خلال إبراز العوامل المستجدة التالية في عقيدتها العسكرية والأمنية والسياسية البيبية (نسبة لنتنياهو) المستجدة:
العامل الأول إدارة الظهر للاعتماد على القوى الدولية أو الاتفاقات الدولية من أجل تطبيق ترتيبات تتعلق بحمايتها في المنطقة؛ بحيث باتت إسرائيل تنفذ بنفسها وبواسطة جيشها وعن طريق قدرتها على فرض مفهوم هيمنتها العسكرية على كل بلدان المنطقة القريبة أو البعيدة. ويوجد الكثير من الأدلة العملية التي تؤكد هذا التوجه الإسرائيلي لممارسة دور امبراطوري في هذا المجال: من الأدلة انتهاك اتفاق فصل القوات مع سورية المبرم عام ١٩٧٤ واحتلالها القنيطرة وطردها الاندوف وإعلانها أنها هي بنفسها ستحمي أمنها بقواتها ووفق رؤيتها لكيفية فعل ذلك وليس وفق رؤية الأمم المتحدة.
العامل الثاني اعتماد استراتيجية جعل قوتها العسكرية تحدد ليس فقط حدودها الجغرافية كما كان عليه الحال سابقاً بل صارت حدودها الجغرافية هي حدود مدى هيمنتها بالنار والتدخل غير المباشر ولكن الصريح والواضح، وليس فقط بمدى توغلها الجغرافي. والواقع أن تدخلها بمسألة السويدا ترمي من وراءه بشكل أساسي إلى تسليط الضوء على دورها الامبراطوري المستجد في المنطقة؛ والفكرة هنا هي أن تصبح إسرائيل لاعب محلي حاسم داخل دول المنطقة وليس مجرد متدخل.
معروف في هذا السياق أنه من سمات الدول الامبراطورية أنها تتجاوز حدودها لتفرض بالقوة هيبتها وراء البحار وفي المناطق البعيدة؛ وهذا ما يفعله نتنياهو حالياً حيث يخرج بجيش التكنولوجيا ليكون متواجداً وقريباً من أبعد نقطة عن فلسطين المحتلة: في إيران وفي اليمن وفي السودان وفي مناطق أخرى ستتكشف لاحقاً؛ إضافة إلى أنه يغير جغرافية وديموغرفيات حدود الدول والمناطق اللصيقة بالكيان العبري كلبنان وسورية والضفة وغزة وفي فيلادلفيا المشمول باتفاق كمب ديفيد.
لعل أخطر ما سيواجه المنطقة خلال المقبل من السنوات هو قناعة إسرائيل بأنها يجب بعد ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ أن تتحول إلى دولة إمبراطورية؛ والأكثر خطورة هنا هو قناعتها بأنها قادرة على أن تصبح دولة إمبراطورية في الشرق الأوسط، وليست مجرد شرطي غربي أو مخفر غربي. وما يجدر فهمه بوضوح في هذا السياق هو أن إسرائيل – وليس فقط نتنياهو – تخوض 'حرب عقد' من الزمن لتطويع المنطقة وتنصيب نفسها إمبراطورية مهيمنة عليها. وعليه فإن إسرائيل تخوض فقط حسبما هو شائع 'حرب عام أو عامين' بهدف اخضاع غزة أو تنفيذ القرار ١٧٠١ أو فقط منع إيران من امتلاك قنبلة نووية.