اخبار لبنان
موقع كل يوم -نداء الوطن
نشر بتاريخ: ١٦ أيار ٢٠٢٥
إذا كان من معنى حقيقي لبيروت كعاصمة موحدة للبنان، فهو حتماً في قدرتها الفريدة على تمثيل نموذج للعيش معاً، لا بالعبارات والشعارات، بل بالفعل والواقع والتاريخ. فبيروت ليست مجرد مساحة جغرافية تضم مكونات لبنانية مختلفة، بل هي روح التلاقي بين هذه المكونات، ومرآة لهويات متعددة ارتضت أن تتشارك الحياة والسيادة تحت سقف دولة موحدة، سيدة، مستقلة.
العيش المشترك في بيروت لم يكن يوماً تعبيراً سطحياً أو مصطلحاً للاستهلاك السياسي، بل هو نتاج مسيرة طويلة من التفاعل الثقافي، الاجتماعي والسياسي، بين طوائف ومذاهب وأفكار وتيارات. بيروت لم ترفض يوماً التنوع، بل احتضنته، ونسجت منه نسيجاً حضارياً متقدماً، جعلها منارة للشرق، وجعل من وحدتها قوة لا تهزها النعرات الطائفية، بل تدفعها نحو المزيد من الإنجاز والإصلاح.
ومن هذا المعنى العميق ولدت 'لائحة بيروت بتجمعنا' كترجمة سياسية وأخلاقية لفكرة العيش معاً. إنها لائحة تجمع لا تُقسّم، توحّد لا تفرّق. جاءت هذه اللائحة في لحظة مفصلية من تاريخ لبنان، لحظة تشهد فيها الدولة خطوات نحو استعادة سلطتها وهيبتها، وتعيد فيها العاصمة دورها في إنتاج الحياة السياسية والإنمائية، بما يليق بمكانتها وناسها.
'بيروت بتجمعنا' لم تتشكل كتحالف ظرفي أو تقاطع مصالح مؤقت، بل جاءت بروحية واضحة: إنقاذ بيروت من محاولات جرّها إلى مربعات الاصطفاف والانقسام، وإعادة الاعتبار لهويتها كعاصمة لكل اللبنانيين. هي لائحة تؤمن أن العمل البلدي لا يحتمل المزايدات الطائفية، ولا يستقيم مع المحاصصة، بل هو فعل يومي يُقاس بمدى تحسين حياة الناس، وبالقدرة على رفع الحرمان، وتأمين الخدمات، وحوكمة الأداء، وصون كرامة البيروتيين وأمنهم.
ولا يمكن فصل تشكيل هذه اللائحة عن سياق إقليمي أكبر، يتمثل في استعادة لبنان لعلاقاته مع محيطه العربي. لم يكن سراً أن تشجيعاً عربياً واسعاً برز خلال تشكيل التوافق البيروتي، انطلاقاً من الحرص على حماية المناصفة وعدم العبث بالتوازنات الدقيقة التي تحمي العيش المشترك وتمنع الانزلاق نحو الفوضى.
'بيروت بتجمعنا' تتوجه اليوم إلى الناخب البيروتي، بثقة راسخة بوعيه وخياره. هذا الناخب الذي يعرف، بالفطرة والتجربة، أن الحفاظ على بيروت هو مسؤولية جماعية، وأن واجبه الانتخابي ليس ترفاً، بل ضرورة لحماية مدينته من رياح التقسيم والتفتيت. من الأشرفية إلى الطريق الجديدة، ومن رأس النبع إلى المزرعة والميناء، ينبض قلب بيروت بإرادة واحدة: الحفاظ على وحدة المدينة، والارتقاء بخدماتها، وضمان أمنها واستقرارها.
وعلى الرغم من حملات التشويش المتعمدة التي تُمارس ضد هذه اللائحة، فإنها لا تخشى التشويه ولا تتأثر بالمزايدات، لأن ما يحميها هو وعي أهل بيروت، الذين لطالما رفضوا أن يكونوا وقوداً لصراعات الآخرين. لقد أثبتت التجارب أن البيروتيين يميزون جيداً بين من يعمل لهم ومن يستغلهم، بين من يبني ومن يهدم.
'بيروت بتجمعنا' ليست مجرد عنوان انتخابي، بل مشروع انقاذي متكامل، يؤمن بأن النهوض بالعاصمة يبدأ من بلديتها، وبأن الإنماء العادل والمتوازن لا يكون إلا بفريق متجانس، يضع مصلحة المدينة فوق كل اعتبار. ولذلك، فإن هذه اللائحة وضعت برنامجاً واقعياً للتنمية، يتضمن مراحل واضحة لإعادة تنظيم الخدمات، وتحسين البنى التحتية، وتأمين بيئة نظيفة وآمنة، تعيد إلى بيروت رونقها وصدارتها.
بيروت لا تحتاج إلى شعارات، بل إلى فعل. لا تحتاج إلى تجار طوائف، بل إلى خادمين حقيقيين لأهلها. و'بيروت بتجمعنا' تمثل هذا الخيار، خيار العمل، والوحدة، والعيش معاً. هي أمل العاصمة في وجه الانقسام، ورهانها على مستقبل يليق بتاريخها.