اخبار لبنان
موقع كل يوم -الهديل
نشر بتاريخ: ٢٠ أب ٢٠٢٥
خاص الهديل…
بقلم: ناصر شرارة
سوف يحسم مجلس الأمن يوم ٢٥ الشهر الجاري موضوع البت بالتمديد أو عدمه لقوات اليونيفيل العاملة في جنوب لبنان.. وتتم الآن مناقشة اقتراح فرنسي بالتمديد لليونيفيل لعام واحد؛ ثم سحب اليونيفيل على نحو متأني لتقوم قوات الحكومة اللبنانية بأخذ مهامها..
واضح أن باريس عبر هذا الاقتراح إنما تريد شراء الوقت لتجاوز لحظة تشدد إدارة ترامب تجاه مطلبها الهادف لإنهاء عمل اليونيفيل في جنوب لبنان؛ وهو مطلب له عدة خلفيات؛ أبرزها انسجامه مع سياسة 'ترامب البخيلة' والقائمة على مبدأ عدم الصرف على بعثات السلام التابعة للأمم المتحدة: فترامب ببساطة لا يريد أن تستمر الولايات المتحدة الأميركية بدفع كلفة مهمات السلام التي تنفذها قوات الأمم المتحدة حول العالم…
.. أضف لذلك أن طلب واشنطن بإنهاء مهمة اليونيفيل يتوافق ويدعم نظرة إسرائيل لقوات اليونيفيل. وهنا مرة أخرى يتبين أن إدارة ترامب وإدارة نتنياهو تلتقيان على الكثير من المصالح في المنطقة وليس فقط على مبدأ أن واشنطن ملزمة تاريخياً بدعم 'إسرائيل المباركة' بنظر الدولة الأميركية العميقة..
إن الحاجة تبدو ماسة للإشارة السريعة هنا إلى أن علاقة ترامب – نتنياهو تؤسس داخل كتاب العلاقة بين إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية لفصل جديد يقوم قوامه أن نتائج التقاء اليمين القومي اليهودي الجديد الذي يمثله نتتياهو مع اليمين الأميركي القومي الجديد الذي يمثله ترامب قدم حوافز لولادة استراتيجيات جديدة أميركية إسرائيلية مشتركة في المنطقة؛ تعتبر أبرز تجلياتها نظرية 'سلام القوة' التي أعلنها ترامب ليظهر بالتجربة العملية أن لها مجالاً تنفيذاً وحيداً هو ساحة المنطقة؛ وأن لها ترجمة وحيدة وهي دعم إدارة ترامب لتغول نتنياهو في الساحة الفلسطينية وفي كل الشرق الأوسط.
.. وبالعودة لوقائع التمديد لليونيفيل تجدر الإشارة إلى أن وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر أبلغ نظيره الأميركي بأن المطلوب هو إنهاء مهمة اليونيفيل التي فشلت – حسب قوله – بمنع تموضع حزب الله في منطقة القرار ١٧٠١ في جنوب الليطاني..
وهناك في الواقع سبب إضافي يجعل واشنطن وتل أبيب تتفقان على إنهاء وجود اليونيفيل على الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة؛ وهو رغبتهما بطرد الدور الأوروبي من أية عملية سياسية ستنشأ في المنطقة. وليس خافياً أن القرار ١٧٠١ كان يتم النظر إليه بالدوام على أنه يمنح أوروبا فرصة لحجز دور لها في التسوية الكبرى التي ستحصل في المنطقة لإنهاء الصراعات المتعددة فيها؛ وبضمنها وأساسها الصراع العربي والفلسطيني الإسرائيلي. فاليونيفيل في بنيتها الأساسية تعتبر 'يونيفيل أوروبي'، كونها عملياً منقادة بشكل رئيسي من كل من فرنسا والمانيا، وكون لباريس حيوية أساسية داخلها؛ ومنذ بروز دور اليونيفيل في جنوب لبنان نظر رؤوساء فرنسا المتتالون إلى هذه القوة على أنها تمثل آخر حضور هام لأوروبا في منطقة المشرق العربي بخاصة، وفي كل الشرق الأوسط بشكل عام. وزادت أهمية هذه النظرة مع التطورات اللاحقة خلال العقدين الأخيرين اللذين شهدا خروج نفوذ فرنسا من العراق ومن سوريا وليبيا ومن كل مستعمراتها الأفريقية القديمة. وحالياً تدافع فرنسا ومعها الدول الأوروبية الأخرى عن اليونيفيل ليس لكونها فقط حاجة للأمن في المنطقة؛ بل بالأساس لأن خروج هذه القوة من منطقة جنوب الليطاني سيمثل انسحاباً لآخر تعبير عن النفوذ للقارة الهرمة من المشرق العربي وأيضاً من الشرق الأوسط؛ وهذا يعني أن ضفة المتوسط الجديدة (أوروبا) أصبحت بنسبة عالية منفصلة عن ضفة المتوسط القديمة (شرق المتوسط). وهذا تطور يوازي بمعناه حدث محاصرة أوروبا داخل ضفتها المنفصلة عن بعدها الجيوسياسي القديم؛ أو الآخر الغني بمعناها الروحي والثقافي، الخ..
لا شك أن معركة التمديد لليونيفيل الجارية حالياً في مجلس الأمن لها أبعاد تتجاوز ما يخطط لمستقبل الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة المحكومة في هذه الفترة من ائتلاف يميني يريد تصفية حسابات قديمة وجديدة مع القارة العجوز الأوروبية؛ ويريد تطير رسالة من خلال طرد قوة اليونيفيل من جنوب الليطاني تقول أن إسرائيل الراهنة تحرس أمنها بقوة 'تغولها وغطرستها'، وليس بقوة اليونيفيل أو أية قوة أممية شرعية أخرى.