اخبار لبنان
موقع كل يوم -درج
نشر بتاريخ: ٢٠ تشرين الثاني ٢٠٢٥
بينما يعلن لبنان التزامه باتفاق باريس بهدف حصر ارتفاع حرارة الكوكب بـ1.5 درجة مئوية، ينشأ جزء من بصمته الكربونية الفعلية خارج البلاد عبر المنتجات المستوردة، إذ تغزو السوبرماركات اللبنانية لحوماً برازيلية مبردة أو معلبة. وهذا يفتح سؤالاً أوسع حول مدى قدرة لبنان على تحقيق أهدافه المناخية في ظل اعتماد كبير على منتجات تُعد من أبرز مسببات أزمة المناخ عالمياً.
يكاد لا يخلو سوبرماركت أو ملحمة في لبنان من لحم مستورد من البرازيل. أسعاره مقبولة وتجد رواجاً واسعاً عند الطبقة الوسطى ومحدودي الدخل الذين يجدون صعوبة في شراء اللحمة الطازجة المحلية التي تكون عادة أغلى سعراً. وعلى رغم صغر مساحة لبنان الجغرافية والديمغرافية، احتل المرتبة الخامسة عربياً من بين مستوردي اللحوم البرازيلية خلال عام 2025، إذ تستحوذ هذه اللحوم على القسم الأكبر من الاستهلاك المحلّي.
لكن بعيداً عن الكلفة الاقتصادية المقبولة نسبياً للحم البرازيلي، هناك أثر يتم تجاهله. تحمل قطع اللحم البرازيلي المعروضة في السوبرماركات اللبنانية أثراً بيئياً عابراً للقارات. ففي الجهة الأخرى من العالم، على مقربة من قاعات مؤتمر تغير المناخ 'كوب 30″، تلتهم مزارع الأبقار مساحات شاسعة من الغابات المطرية لتلبية طلب عالمي متزايد يشمل لبنان، ما يفاقم انبعاثات الكربون ويقوّض حقوق الشعوب الأصلية. وهكذا تتحول قطعة اللحم المطروحة على المائدة اللبنانية إلى حلقة في أزمة التغير المناخي.
بحسب إدارة الجمارك اللبنانية، بلغت قيمة استيراد الحيوانات والمنتجات الحيوانية في لبنان من البرازيل 186.075 ألف دولار بمعدل 44.67 طناً بين شهري كانون الثاني/ يناير 2025 وآب/ أغسطس 2025. ووفقاً لـ'جمعية مصانع اللحوم البرازيلية (ABRAFRIGO)'، احتلّ لبنان المرتبة الـ 17 بين مستوردي اللحوم البرازيلية عام 2024، بقيمة تجاوزت الـ100 مليون دولار خلال عام واحد.
اللحوم المستوردة: الثغرة المنسيّة في الخطط المناخيّة
قبيل انعقاد مؤتمر تغيّر المناخ 'كوب 30' في مدينة بيليم البرازيلية، دار نقاش واسع حول جدوى مشاركة لبنان في ضوء 'مساهمته الضئيلة في الانبعاثات العالمية'. لكن الواقع يكشف فجوة واضحة بين الانبعاثات التي يتسبب بها لبنان ضمن حدوده، وتلك التي يساهم فيها عبر أنماط استهلاكه الغذائية.
بموجب اتفاق باريس لعام 2015، يتعين على الدول إعداد ما يسمى بـ 'المساهمات المحددة وطنياً (NDC)' لتوضيح جهودها لخفض الانبعاثات التي تقع داخل حدودها فقط، من دون احتساب الانبعاثات المرتبطة بالمنتجات المستوردة أو بسلاسل الإمداد العالمية. وعلى الرغم من أن الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية أكد أن المساهمات المحددة وطنياً التزام واجب لا خيار طوعي، إلا أن عدداً محدوداً من الدول هو الذي بادر فعلياً إلى تقديمها.
وقبيل انعقاد المؤتمر، أظهر تقرير فجوة الانبعاثات الصادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة، أن العالم بعيد عن هدف 1.5 درجة مئوية التي أعلن عنها اتفاق باريس، وأن خفض الانبعاثات لن يتجاوز الـ10 في المئة بحلول 2035 بدلاً من 60 في المئة المطلوبة.
وفي تشرين الأول/ أكتوبر 2025، التزم لبنان بخفض انبعاثاته الوطنية من الغازات الدفيئة بنسبة 22 في المئة كهدف غير مشروط، وبنسبة 33 في المئة كهدف مشروط، وذلك مقارنةً بسيناريو 'استمرار الأعمال كالمعتاد' أو 'Business as usual' بحلول عام 2035.
لكن بينما يعلن لبنان التزامه باتفاق باريس بهدف حصر ارتفاع حرارة الكوكب بـ1.5 درجة مئوية، ينشأ جزء من بصمته الكربونية الفعلية خارج البلاد عبر المنتجات المستوردة، إذ تغزو السوبرماركات اللبنانية لحوماً برازيلية مبردة أو معلبة. وهذا يفتح سؤالاً أوسع حول مدى قدرة لبنان على تحقيق أهدافه المناخية في ظل اعتماد كبير على منتجات تُعد من أبرز مسببات أزمة المناخ عالمياً.
في هذا السياق، يقول بنيامين شاختر، منسّق فريق البيئة وتغيّر المناخ في مكتب المفوّض السامي لحقوق الإنسان لـ 'درج'، إن 'العمل المناخي يجب أن يتماشى مع التزامات حقوق الإنسان، بما يشمل الحق في بيئة صحية وحقوق الشعوب الأصلية'. ويضيف شاختر أن 'الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية يشدد على أن جميع الدول ملزمة باتخاذ تدابير لمنع الإضرار بالبيئة، ويدعوها إلى مواءمة مساهمتها المحددة وطنيًا (NDCs) مع هدف 1.5 درجة الوارد في اتفاق باريس'.
وعن المفاوضات السارية في بيليم، يقول شاختر إن الدول 'تمتلك فرصة مهمّة في كوب 30 لاعتماد نتائج تتسق مع الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية، بما في ذلك في مجال التعاون الدولي في الجهود الرامية إلى مواجهة تغيّر المناخ وآثاره، سواء داخل حدودها أو خارجها'.
ذبح رئة العالم لإنتاج البرغر
تُعرف غابات الأمازون بـ'رئة العالم'، إذ تعتبر بمثابة 'منظم مناخي'، فهي تخزن سنوياً ما يقارب الـ150 مليار طن من الكربون. وتمتص غابات الأمازون نحو ملياري طن من ثاني أوكسيد الكربون من الغلاف الجوي سنوياً، أي ما يعادل 5 في المئة من الانبعاثات العالمية، ما يخفض درجات الحرارة ويبقي كوكب الأرض صالحاً للحياة.
وخلال الفترة الممتدة بين 1985 و2022، تم توسيع المساحات الزراعية في البرازيل بنسبة 50 في المئة. ويقدر أن نحو 64 في المئة من هذا التوسع نتجت من إزالة الغابات بهدف تحويلها إلى مراعٍ للماشية.











































































