اخبار لبنان
موقع كل يوم -المرده
نشر بتاريخ: ٣٠ تموز ٢٠٢٥
كتب ناصر قنديل في 'البناء'
ينطلق المتحدّثون عن فرضيّة الحرب على لبنان مجدداً من منطلق أن القدرة الإسرائيلية على شنّ الحرب أمر مسلّم به وأن العائق هو الضبط الأميركي لـ”إسرائيل”، والأمران يحتاجان إلى تدقيق، دون أن يكون الطعن بصحة هذين العاملين إلى استبعاد خيار الحرب الإسرائيلي يريد استكمال الديناميكية التي أطلقها تحت رعاية أميركية منذ وقف إطلاق النار والتي جعلت نزع سلاح المقاومة عنواناً سياسياً داخلياً لبنانياً، لكن دون خسارة مكتسبات استراتيجية بين يديه الآن، مثل العازل الجغرافيّ بينه وبين المقاومة في جنوب الليطانيّ الذي بات بعهدة الجيش اللبنانيّ وقوات اليونيفيل، وقد تؤدي الحرب التي تسقط اتفاق وقف إطلاق النار إلى إسقاط هذا المنجز، هذا إضافة إلى منجز آخر يتمثل بإطلاق اليد الإسرائيلية في ظل وقف إطلاق النار لمواصلة الاستهداف على وتيرة ما دون الحرب فيصيب جسم المقاومة وقدراتها دون أن تقوم المقاومة بالردّ كي لا تتحمّل هي مسؤولية إشعال الحرب وكي لا تسبّب الإحراج لعلاقتها بالدولة التي يفترض أنها تتولى حق الدفاع من الجانب اللبناني ولا تريد تفعيله أو استخدامه رهاناً على فعالية العمل الدبلوماسي لإلزام “إسرائيل” بوقف النار والانسحاب، والحرب تطيح بهذا المنجز وتمنح حزب الله حق المواجهة المفتوحة وتحرم الإسرائيلي التفرّد بإطلاق النار والاستهداف.
ضمن هذه الحسابات الإسرائيلية يجري بحث شكل العمل العسكري والأمني الأكثر ملاءمة بما لا يعرّض هذه المكتسبات لخطر الخسارة، ويرفع منسوب الضغط على المقاومة لوضع سلاحها فوق الطاولة، أما الحديث عن وجود موانع أميركية تلجم النزعة الإسرائيلية للحرب في تفسير لعدم وقوع هذه الحرب، التي يفترض هذا المنطق أنها مصلحة إسرائيلية وأن قدرة الفوز بها تحصيل حاصل، فما شهدته سورية التي تحظى حكومتها الجديدة بدعم ورعاية من واشنطن لا يحلم بهما لبنان، يقول إنه عندما تكون “إسرائيل” واثقة من قدرتها على فعل عسكري كبير ومن مصلحتها الحيوية في فعله، فإن سقف ما يرتجيه أي حليف ترعاه واشنطن، هو ما حصل عليه الرئيس الانتقالي لسورية أحمد الشرع عندما قصف الطيران الإسرائيلي مقرّ وزارة الدفاع ومقر الرئاسة في قلب العاصمة دمشق، واكتفت واشنطن بتحذير الرئيس لترك مقرّه، وبإصدار تصريح مجهول المصدر لوكالة محدودة الانتشار بأن الرئيس الأميركي تفاجأ بالغارات الإسرائيلية ولا يوافق عليها، لكن الغارات وقعت ومضت بعدها “إسرائيل” في التدخل والتوسع والاعتداء، وأميركا تدير مفاوضات بين دمشق وتل أبيب لوقف إطلاق النار.
الرهان الرئيسي لتحريك الديناميكية الداخلية لطرح مستقبل سلاح المقاومة كان يقوم على الترويج الأميركي للنموذج السوري، وتصويره علامة تحوّل كبير في المنطقة، ونموذجاً على لبنان اللحاق به، حيث وضع الأوراق في السلة الأميركيّة والالتزام بمقتضيات الأمن الإسرائيلي بوليصة تأمين تجلب رفع العقوبات الأميركية وانفتاحاً استثمارياً يحقق الازدهار، ويوفر الدعم لبسط سيادة الحكم بوجه معارضيه حتى لو كانوا حلفاء لأميركا مثل الجماعات الكردية المسلحة شمال شرق سورية، لكن هذا النموذج تهاوى بين يدي الأميركي عندما انفجرت أحداث السويداء، ولم تنفع البوليصة الأميركية في تأمين انتشار قوات الحكومة، وتحول الوضع إلى حرب أهلية، ربما تتكرر في مناطق أخرى بصورة أشدّ قوة، وبالتوازي لم تنفع البوليصة الأميركية في تأمين الحكم من الشهية الإسرائيلية المفتوحة، بعدما قامت بتدمير كل أسلحة الدولة السورية على مرأى الحكم الجديد كعلامة حسن نيّة يُدعى لبنان إلى فعل مثلها بنزع سلاح حزب الله، وهكذا أهين الحكم الجديد وجرى إذلاله على الهواء ولم يجد لدى الأميركي إلا مشاعر العزاء، وفي لحظة سقط الخطاب الأميركي وجاذبيته أمام الوقائع الصارخة، وصار أي مسؤول لبناني يقول للمبعوث الأميركي توماس باراك، هل هذا ما تدعونا إلى اختباره، حرب أهلية، واستباحة إسرائيلية بلا حدود؟
ربما تفكر “إسرائيل” بتحفيز عسكريّ للنقاش الداخلي إذا كان ذلك يجدي في إطلاق ديناميكية سلبية بين الدولة والمقاومة، لأن القوى الواقفة خارج الدولة لإعلان العداء للمقاومة تبقى هامشية ما لم تنخرط الدولة في خطاب عنوانه أن اللحظة هي لحظة فتح ملف السلاح، والدولة حتى تاريخه وبفعل الاتفاقيّات والضمانات الأميركيّة تقول إن اللحظة هي لحظة تنفيذ “إسرائيل” وقف إطلاق النار وتحقيق الانسحاب، وفقاً لما تمّ الاتفاق عليه مع حزب الله لتحقيق انسحابه المسبق من جنوب الليطاني قبل أن تنسحب “إسرائيل” إلى ما وراء الخط الأزرق كما ينص القرار 1701 الذي عدل رزنامته الزمنية في هذه النقطة اتفاق وقف إطلاق النار، فهل يقدم الاحتلال على جولة تصعيد محسوبة لا تشعل حرباً لكنها تنتهي بإيقاف العمليات العسكرية، وربما دون انسحاب، لفتح الطريق لإطلاق النقاش الداخلي حول سلاح المقاومة تحت تأثير ضجيج خطر الحرب، والجواب هو ربما يحدث ذلك، لكن الحرب لا تبدو على جدول الأعمال.