اخبار لبنان
موقع كل يوم -ام تي في
نشر بتاريخ: ٦ تشرين الثاني ٢٠٢٥
كتبت فيدا نصر:
شهدت مصر أخيراً حدثًا ثقافيًا عالميًا تَمثلَ في افتتاح المتحف المصري الكبير، الذي يُعدّ من أكبر المتاحف الأثرية في العالم، جامعًا آلاف القطع التي تسرد تاريخ الحضارة الفرعونية بأدق تفاصيلها. هذا الافتتاح لم يكن مجرد مناسبة ثقافية، بل لحظة رمزية تعيد تسليط الضوء إلى عمق حضارةٍ وُلدت منذ آلاف السنين، وما زالت تبهر العالم بعلومها وفنونها وأسرارها.
ممّا لا شكّ فيه، أنّ الحضارة الفرعونية ليست فقط أهرامات وتماثيل، بل منظومة فكرية وعلمية سبقت عصرها، من الطب والفلك إلى الكتابة والنظام الإداري. إنّها حضارة لم يُكشف بعد عن كلّ أسرارها، ويكفي أن نعلم أنّ كلّ اكتشاف جديد يثير المزيد من الأسئلة بدلًا من تقديم الإجابات.
وإذا أردنا الغوص بعمق هذه الحضارة، لاعتقدنا بأنّ الفراعنة بلغوا من الذكاء والتطوّر العقلي ما قد يفوق ما نحن عليه اليوم، وهنا المقصود ليس التكنولوجيا أو أدوات الاتصال، بل من ناحية الصفاء الذهني والقدرة على التفسير والتخطيط والبناء بمعزل عن الحاجة إلى معجزةٍ أو تبريرٍ غيبيّ. لقد فصلوا بين العقيدة والعمل العقلي، فدينهم كان إيمانًا غريزيًا وشعائريًا، لم يتداخل مع علومهم أو يعطّل قدراتهم. عبدوا الأصنام نعم، لكنّهم لم يسمحوا لهذا الإيمان أن يحدّ من قدراتهم على الاكتشاف والتصميم والتنظيم.
وقد يكون الفرق بيننا وبينهم أنّ الفراعنة جعلوا من العبادة عملًا، بينما نحن جعلنا من العمل عبادة، فأدخلنا الدين في كلّ تفصيلٍ حتّى أصبح أداة تبرير للتأخّر أحيانًا، بدلًا من أن يكون محفّزًا للعقل كما أراده الله حين قال: أفلا تعقلون؟.اليوم، ومع كل جدار يُعاد ترميمه، وكل قطعة أثرية تُعرَض، نقتربُ أكثر من فهم عبقرية هذه الحضارة التي نقشت مجدها على الحجر وتركته حيًّا عبر القرون.
ويبقى التساؤل قائمًا: هل كان بإمكان الفراعنة أن يحققوا هذا التقدّم المذهل، لو كانت مفاهيم الدين لديهم متداخلة مع حياتهم العلمية والعملية كما هو الحال اليوم؟.











































































