اخبار لبنان
موقع كل يوم -جريدة الديار
نشر بتاريخ: ٣ أيار ٢٠٢٥
تُشكّل القرحة الهضمية إحدى أبرز المشكلات الصحية الشائعة التي تطال بطانة المعدة أو الجزء العلوي من الأمعاء الدقيقة (الاثني عشر)، وتنجم عن اختلال في التوازن بين العوامل الحمضية داخل الجهاز الهضمي وآليات الحماية الطبيعية التي يوفرها الغشاء المخاطي. ويظهر هذا الخلل في تآكل الطبقة الداخلية للمعدة أو الاثني عشر بفعل الأحماض والعصارات الهضمية، ما يؤدي إلى نشوء تقرحات مؤلمة وعميقة تختلف في حجمها وعمقها تبعًا لشدة العامل المسبب ومدى قدرة الجسم على المقاومة.
تُعزى الأسباب الرئيسية للقرحة الهضمية إلى الإصابة ببكتيريا هيليكوباكتر بيلوري، التي تُعدّ السبب الأبرز في أكثر من 70% من الحالات، بالإضافة إلى الإفراط في تناول مضادات الالتهاب غير الستيرويدية كالإيبوبروفين والأسبرين، والتي تضعف الأغشية المخاطية للحماية. كما يلعب التدخين وتعاطي الكحول والتوتر النفسي المزمن دورًا مساعدًا في زيادة حموضة المعدة وتقليل تدفق الدم إلى بطانتها، ما يفاقم خطر الإصابة ويطيل من فترة التعافي.
يَبدأ المريض بالشعور بألم حارق أو حاد في منطقة أعلى البطن، غالبًا بعد تناول الطعام بساعات، وقد يترافق مع حرقة في الصدر أو غثيان أو قيء. ومع تفاقم الحالة، قد تظهر أعراض أكثر خطورة مثل الإعياء، وفقدان الوزن غير المبرر، واصفرار الجلد وبياض العينين عند حدوث نزيف داخلي. إن تجاهل هذه المؤشرات يعرض المريض لمضاعفات بالغة مثل النزيف الحاد، الذي قد يهدد الحياة إذا ترافق مع انخفاض الضغط وسرعة دقات القلب، أو ثقب جدار المعدة (الناسور) الذي يؤدي إلى التهاب الصفاق وانتشار العدوى في تجويف البطن.
يعتمد تشخيص القرحة الهضمية على الجمع بين الفحص السريري والاختبارات المعملية، فيشمل ذلك فحص الدم للكشف عن فقر الدم الناجم عن النزيف، واختبار التنفس أو البراز للكشف عن وجود هيليكوباكتر بيلوري، وأهمها إجراء المنظار المعدي، الذي يتيح للطبيب رؤية التقرحات مباشرة وأخذ خزعة منها لاستبعاد التحوّل الخبيث. يُعد المنظار أيضًا أساسيًا في تحديد حجم القرحة ودرجة التهابات الأغشية المحيطة بها.
هذا ويستند علاج القرحة الهضمية إلى مبدأين رئيسيين: أولاً، القضاء على بكتيريا هيليكوباكتر بيلوري إن وجدت، عبر وصف بروتوكول مكون من مضادات حيوية مختارة ومثبطات مضخة البروتون (PPIs) لخفض حموضة المعدة، وثانيًا، حماية الغشاء المخاطي وتعزيز شفائه باستخدام مضادات الحموضة وأدوية تغليف القرحة مثل السوكرافات. إلى جانب ذلك، يُنصح المريض بتعديل نمط حياته من خلال الامتناع عن التدخين والكحول، وتقليل التوتر عبر تقنيات الاسترخاء، واتباع نظام غذائي متوازن يتجنب المأكولات الحارة والدهنية التي قد تهيّج المعدة.
يتطلب المتابعة المستمرة تقييم فعالية العلاج والاطمئنان على عدم عودة الأعراض، وعادة ما يُجرى فحص هرمون 'جاسترين' والاختبارات التنفسية بعد انتهاء دورة العلاج ببضعة أسابيع. كما يوصى بإجراء مناظير دورية للمرضى ذوي القرحة المعقدة أو الذين تجاوزوا سن الخمسين، خصوصًا إذا ترافق المرض مع عوامل خطورة مثل تدخين كثيف أو تاريخ عائلي للأورام الهضمية.
أخيراً، تبرز أهمية الوعي المبكر بعلامات القرحة الهضمية وتداعياتها، ليس فقط للحدّ من المضاعفات القاتلة، بل أيضًا لتحسين نوعية حياة المرضى. فالاكتشاف المبكر والعلاج المناسب والالتزام بنمط حياة صحي يشكلون معًا الخطوط الدفاعية التي تحول دون تطور القرحة وعواقبها، وتضمن للجسم استعادة توازنه وحيويته.