اخبار لبنان
موقع كل يوم -المرده
نشر بتاريخ: ١٧ كانون الأول ٢٠٢٥
مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية المقرّرة ربيع 2026، تراكمت في الأسابيع الأخيرة إشارات متضاربة: من جهة تأكيدات حكومية ونيابية عن إجراء الاستحقاق في موعده، مقابل الحديث عن مفاوضات سياسية داخل الكواليس، تمهّد لتمديد طفيف يصل إلى شهرين – حتى تموز المقبل – أو لإجراء تعديلات على القانون الانتخابي قبل الاقتراع، في حال سمحت المهل الدستورية.
قراءة واقعية لهذا المشهد تكشف أن القرار ليس فنياً أو تقنياً فحسب، بل سياسي ودستوري في آن واحد، سيما وأنّ الصراع بين الأحزاب والكتل النيابية لا يزال مفتوحاً حول اقتراع المغتربين.
مصادر سياسية مطلعة أكّدت أنّ الموقف الرسمي واضح حتى الساعة. فوزير الداخلية والبلديات أحمد الحجّار أكد التزام وزارته بإجراء الانتخابات في أيار المقبل، وفق القانون الساري، مشيراً إلى مهل تسجيل المغتربين كأحد العناصر التي يلتزم بها الجهاز الإداري. ورئيس مجلس النواب نبيه برّي كرّر أكثر من مرّة أنّ 'القانون الساري المفعول يبقى نافذاً وسيجري الاقتراع وفقه'. هذه التصريحات تُبقي الإطار الإداري والقانوني متحرّكاً نحو موعد أيار المقبل، ما لم يتخذ البرلمان أو الحكومة قراراً مغايراً.
وثمّة خشية من أن تدهم المهل الدستورية القوى السياسية، على ما تضيف المصادر، لهذا تسعى كلاً منها إلى الاستفادة ممّا ينصّ عليه الدستور، لتأمين تعديل قانون الانتخابات وفق مصالحها وحساباتها الانتخابية. وفي حال انتهت هذه المهل ولم تتمكن من التعديل، فإنّ الانتخابات ستجري وفق القانون النافذ رقم 44/2017، ما يعطي اللبنانيين المقيمين حقّ الاقتراع، على غرار الدورة الماضية في الدوائر الـ 15، في حين قد يتمّ تعليق انتخاب غير المقيمين، أي اللبنانيين في بلاد الإغتراب بسبب عدم اكتمال آلية وشروط الاقتراع لستة نوّاب في الخارج. وهنا قد يفتح الباب أمام مأزق الآلية والتقسيمات الإدارية وسواها، سيما وأنّ القانون الحالي لا يلحظها.
ولأنّ اقتراع المغتربين الذين تسجّلوا للانتخابات المقبلة، تضيف المصادر، والذين بلغ عددهم 152 ألف ناخب في دول الخارج، قد يفقدوا حقّ الانتخاب في الخارج، في حال لم تتمّ مناقشة مشروع قانون الحكومة، التي أعلنت عن عدم تمكنها من إجراء الانتخابات وفق القانون الحالي، وأحالت الأمر إلى مجلس النوّاب طالبة منه تعديل بعض مواد القانون الساري المفعول وتعليق بعض المواد الأخرى، تسعى بعض الأطراف السياسية إلى تأجيل الانتخابات لأسباب تدّعي بأنّها تقنية حتى تموز المقبل. غير أنّ الأسباب تعود في الواقع إلى عدم التمكّن حتى الآن، من عرض مشروع الحكومة على الهيئة العامة للمجلس، والتوافق على تعديلات القانون.
من هنا، تلفت المصادر السياسية المطلعة إلى أنّ احتمال تأجيل الانتخابات، رغم التأكيدات الرسمية عن حصولها في موعدها، يطفو على الساحة السياسية في الوقت الراهن. وتتضافر هنا ثلاثة عوامل هي:
– أولاً: الخلاف حول كيفية احتساب صوت المغترب (أصوات مخصّصة لستة نواب أم الاقتراع في الدوائر الأصلية لـ 128 نائباً).
– ثانياً: ضغوط أمنية أو إقليمية تُطرح كذريعة في حال تدهور الوضع.
– ثالثاً: رغبة بعض الأطراف في المزيد من الوقت، لترتيب تحالفات أو إدخال تعديلات تقنية (بطاقات ممغنطة، رمز QR أو آليات فرز جديدة).
والسيناريوهات لتأجيل بسيط الى تموز المقبل، هي اليوم محور النقاشات السياسية، وفق المصادر، إما عبر قانون يقرّه البرلمان أو عبر حجج أمنية استثنائية. لكن أي تأجيل رسمي يتطلّب مسوغاً قانونياً أو تشريعاً من البرلمان ، وهو أمر ليس سهلاً سياسياً أو دستورياً.
وفي ما يتعلّق بالمهل الدستورية والإجرائية المتبقية، فإنّ القانون الانتخابي الحالي يضع مسارات تاريخية واضحة: تسجيل المغتربين أُغلِق في 20 تشرين الثاني المنصرم، ومراحل تدقيق ونشر القوائم التقليدية لدى دوائر النفوس، تستمر وفق رزنامة المديرية العامة (فحص القوائم، تعديل الأخطاء، ونشر القوائم النهائية في مواعيد محدّدة قبيل الاقتراع). وعملياً، ثمة مهام إدارية،: من تدقيق القوائم، وطباعة البطاقات، وتنظيم مراكز الاقتراع في الخارج، وعدم فتح قلم اقتراع في حال لم يتوافر فيه 200 ناخب وأكثر… وهي أمور لا تحتمل تأخيراً طويلاً.
ولهذا، فإنّ تعديل جوهري سوف يطرأ على القانون من شأنه أن يغيّر آلية التصويت أو عدد المقاعد للمغتربين، بحسب المصادر، ويستلزم إقرار قانون معجّل في المجلس النيابي، وهذا بدوره يحتاج إلى جلسات ولجان وتوافق أو تمرير بالأغلبية. لذلك، فإن النافذة القانونية المتاحة لإجراء تغييرات ملموسة ضيقة زمنياً.
في الوقت نفسه، تقوم بعض الجمعيات المعنية بحماية شفافية الانتخابات من خلال المراقبة وكتابة التقارير حول المخالفات مثل 'LADE'، بمتابعة العملية الانتخابية وبوضع التقارير الميدانية عن جهوزية المؤسسات ونقاط الضعف. وقد سجّل تقريرها عن الانتخابات البلدية الأخيرة 'فجوات في أداء موظفي المراكز، وخلل في تطبيق بعض قواعد القانون'. وتشير ملاحظاتها الى 'أنّ المشكلات الإدارية والتقنية قائمة وليست جديدة، لكنها لا تُبرّر بمفردها تأجيل الاستحقاق الوطني، إذا توافرت الإرادة السياسية لمعالجتها سريعاً'. فـ LADE ومراقبون آخرون يحثّون على الحفاظ على التاريخ الدستوري، واستكمال الاستعدادات بشفافية ورقابة مدنية.
وتخلص المصادر إلى القول بأنّ هناك احتمالين لا ثالث لهما:
– السيناريو الأول (الأكثر وجاهة دستورياً): الانتخابات تُجرى في أيار المقبل وفقاً للقانون الساري، مع معالجة تقنية وإجرائية سريعة من الوزارات المعنية، ومراقبة مكثفة من منظمات المجتمع المدني والدول الشريكة.
– السيناريو الثاني (قائم لكنه أقل شرعية ومكلف سياسياً): تأجيل محدود إلى تموز المقبل، عبر قانون يقرّه البرلمان أو بتبرير أمني طارئ، يُبقي الباب مفتوحاً لمخاطر سياسية وقانونية ولانتقادات داخلية ودولية.
أمّا تصريحات بعض النواب ورؤساء الأحزاب (ومن ضمنها الذين قالوا إنهم 'لم يستبعدوا التأجيل'، فتضع المصادر هذا الاحتمال في الحسبان، لكنّه يظل مشروطاً بقدرة القوى السياسية على الاتفاق، وتحمّل تكلفة الدعاية والشرعية التي سيلحظها التأجيل.
وهذا كلّه يعني بأنّ القرار ليس تقنياً صرفاً، على حد قول المصادر، بل هو اختبار لقدرة الدولة ومؤسساتها على احترام الأطر الدستورية في ظل ضغوط أمنية وسياسية. إذا أرادت الطبقة السياسية تجنّب تهم 'التسويف' و'الالتفاف على الدستور'، فقد يكون الطريق الأسرع إجراء الانتخابات في أيار، مع رقابة فاعلة من منظمات مثل LADE وسواها، إلى جانب الهيئة الوطنية للإشراف على الإنتخابات، وإجراء تحسينات تقنية وفورية، وإلا فسيقف لبنان أمام اختبار شرعية أصعب في تموز المقبل.











































































