اخبار لبنان
موقع كل يوم -المرده
نشر بتاريخ: ٣٠ أيلول ٢٠٢٥
مما لا شك فيه، بات السرطان أحد أبرز التحديات الصحية العالمية في العصر الحديث، حيث تصاعدت معدلات الإصابة والوفيات المرتبطة به في مختلف دول العالم خلال العقود الأخيرة، نتيجة عوامل متعددة تشمل الوراثة، نمط الحياة، والعوامل البيئية. وتشير الإحصاءات العالمية إلى أن ملايين الأشخاص يتم تشخيصهم سنويًا بأنواع مختلفة من السرطان، ما يجعله أحد الأسباب الرئيسية للوفاة عالميًا.
في هذا السياق، نشرت صحيفة 'الدايلي ميل' البريطانية في الآونة الأخيرة تقريرا استند إلى دراسة حديثة نُشرت في مجلة Lancet الطبية ، أكدت فيه أن لبنان يحتل المرتبة الأولى عالميا من حيث نسبة الإصابة بمرض السرطان. وقد سجلت معدلات الوفيات ارتفاعا حادا بنسبة 80% خلال الثلاثة عقود الماضية، إذ ارتفعت الوفيات من 65,2 إلى 117,3 وفاة لكل 100 ألف نسمة بين عامي 1990 و2023.
هذه الأرقام الصادمة تُعد جرس إنذار صحي للبنان، وتسلط الضوء على المخاطر البيئية والمعيشية اليومية التي يواجهها المواطن اللبناني، والتي قد تكون أحد العوامل الرئيسية وراء ارتفاع معدلات الإصابة بهذا المرض الخطر، ما يستدعي إعادة تقييم السياسات الصحية والبيئية بشكل عاجل.
أنواع السرطان الأكثر شيوعاً في لبنان
تكشف دراسة الجامعة الأميركية في لبنان لعام 2024 أن العاصمة بيروت شهدت ارتفاعا ملحوظا في نسب الإصابة بالسرطان بنحو 30% منذ عام 2020.
وتعليقا على هذا التقرير، كشف الطبيب أنطوني ضاهر لـ 'الديار' عن زيادة كبيرة وملموسة جدا في معدلات السرطان في لبنان بجميع أنواعه، مع تركيز خاص على بعض الأنواع الأكثر شيوعا:
⦁ سرطان الثدي: شهد ارتفاعا بنسبة 30% منذ 2020، وهنا ضرورة إجراء الفحص الإشعاعي للثدي للنساء بعد سن الأربعين، والبدء منذ سن الخامسة والعشرين للنساء اللواتي لديهن تاريخ عائلي. كما وضرورة مراقبة كل امرأة لنفسها والانتباه لأي كتلة جديدة أو تغيّر، قد يكون علامة مبكرة على السرطان.
⦁ سرطان القولون والمستقيم: يحتل المرتبة الثانية في لبنان، ويرتبط بعوامل متعددة مثل نوعية الطعام، وقلة النظافة الغذائية، والوجبات السريعة، والتدخين، فضلاً عن العوامل الوراثية. ويُنصح بإجراء التنظير بعد سن الخمسين.
⦁ سرطان الرئة والمثانة: يعتبران من أكثر السرطانات انتشارا، ويرتبطان بالتدخين المفرط والتلوث البيئي. ويعد ظهور الدم في البول أحد أبرز أعراض سرطان المثانة، ما يستدعي مراجعة الطبيب فورا.
أما بالنسبة للتصنيف الوراثي، فلفت ضاهر إلى أن السرطان يتأثر بمجموعة واسعة من العوامل مثل نمط الحياة غير الصحي، السمنة، قلة ممارسة الرياضة، بالإضافة إلى العوامل البيئية والتغذوية. ومع ذلك، يُعد سرطان الثدي من أكثر الأنواع ارتباطا بالعوامل الوراثية، حيث النساء اللواتي لديهن تاريخ عائلي قد يحملن جين BRCA المسؤول عن زيادة احتمالات الإصابة، مما يؤكد أهمية الفحص المبكر والمتابعة الدقيقة.
تأثير التلوث البيئي
والجسيمات الدقيقة على الصحة
وأوضح ضاهر أن الجسيمات الدقيقة PM2.5 وPM10، المنبعثة من المصانع، الانبعاثات الصناعية، وحرق النفايات، تحتوي على مواد كيميائية مسرطنة تتسبب في تلف الخلايا وزيادة احتمالات الطفرات الوراثية. وأضاف أن تأثير هذه الجسيمات لا يقتصر على الرئتين بل يشمل الأوعية الدموية والشرايين والقلب، ما يزيد المخاطر الصحية للسكان، خاصة في المناطق الحضرية المكتظة.
وأشار إلى أن الحد من التعرض لهذه الملوثات، يتم عبر تركيب أنظمة ترشيح حديثة للفلاتر، وتنظيم طرق التخلص من النفايات، إلى جانب تبني أسلوب حياة صحي يشمل ممارسة الرياضة بانتظام ،واتباع نظام غذائي متوازن غني بالخضروات والفواكه ومضادات الأكسدة، مع المتابعة الطبية الدورية وإجراء الفحوصات السنوية للكشف المبكر عن أي تغييرات صحية محتملة.
الكوارث البيئية وأثرها على السرطان
من الأمثلة البارزة على تأثير العوامل البيئية، انفجار مرفأ بيروت في آب 2020، الذي أدى إلى انتشار كميات هائلة من الغبار المحتوي على مواد كيماوية خطرة مثل الأمونيا، النيترات، الهيدروكربونات العطرية متعددة الحلقات، والمعادن الثقيلة كالزئبق والرصاص. هذه المواد قادرة على اختراق الرئتين والجلد والدخول إلى مجرى الدم، مما يزيد خطر تلف الحمض النووي واحتمالات الطفرات الخلوية وتكوّن الأورام.
وتشير الدراسات إلى أن التلوث البيئي في المدن الكبرى مثل بيروت، بما في ذلك الانبعاثات الصناعية وحرق النفايات والمركبات القديمة، يزيد من تركيز الجسيمات الدقيقة PM2.5 وPM10، وهي مواد مسرطنة مثبتة علميا ترتبط بسرطانات الرئة والمجاري التنفسية. كما يؤدي تلوث المياه والصرف الصحي غير المعالج إلى زيادة خطر الإصابة بسرطانات الجهاز الهضمي والكبد والمثانة، ما يعكس تفاعل العوامل البيئية مع نمط الحياة والجينات في تكوين الأورام.
أخيراً، إن تصدّر لبنان عالميا في معدلات الإصابة بالسرطان ليس مجرد صدفة، بل هو نتيجة تفاعل مركب بين العوامل البيئية، الكيميائية، ونمط الحياة، مع دور محوري للتلوث في الهواء والماء والتربة. ويشير هذا الواقع إلى ضرورة تدخل عاجل على المستوى الحكومي والمجتمعي لوضع سياسات بيئية وصحية صارمة، والحد من التعرض المستمر للمواد المسرطنة، مع تعزيز الوعي الصحي والممارسات الوقائية. فبدون هذه الإجراءات، ستستمر معدلات الوفاة بالارتفاع، وستظل صحة الأجيال المقبلة مهددة بخطر كبير.