اخبار لبنان
موقع كل يوم -المرده
نشر بتاريخ: ١٩ تشرين الثاني ٢٠٢٥
كتب صلاح سلام في 'اللواء'
الزيارة التاريخية التي يقوم بها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى واشنطن ليست حدثاً عادياً في روزنامة العلاقات الدولية، ولا يمكن إدراجها في سياق اللقاءات البروتوكولية، أو المحطات الثنائية التقليدية. فالحفاوة الاستثنائية التي خصّ بها الرئيس الأميركي دونالد ترامب ضيفه السعودي حملت دلالات سياسية عميقة تتجاوز الطابع الاحتفالي، لتؤشر إلى ولادة مشهد جديد في موازين القوى بالمنطقة، يأخذ في الاعتبار التحولات الكبرى التي تشهدها المملكة، وتنامي دورها القيادي في العالمين العربي والإسلامي.
فالاتفاق الدفاعي المطروح بين الرياض وواشنطن، بصيغته التي تشبه مظلة «الناتو»، يعكس قراراً أميركياً بإرساء شراكة استراتيجية مع المملكة تتجاوز حدود التعاون التقليدي، وتعطي السعودية موقعاً محورياً في حماية استقرار المنطقة، والتصدي لتهديدات الأمن الإقليمي، وفي مقدمتها التمدد الإيراني. كما أن الموافقة الأميركية غير المشروطة على تزويد المملكة بطائرات الـF35، والتعاون في التكنولوجيا النووية المدنية، تشكّل قفزة نوعية في القدرات الدفاعية والعلمية السعودية، وتمنحها تفوّقاً استراتيجياً سيصعب على خصومها تجاهله.
واللافت أن هذه الزيارة أسفرت عن تفاهمات حيوية حول الملفات الإقليمية الساخنة، ولا سيما مستقبل المفاوضات مع إيران، وترسيخ مسار «اليوم التالي» في غزة، على خلفية قرار مجلس الأمن الأخير، إضافة إلى مقاربة جديدة للملفين اللبناني والسوري، تقوم على دعم الاستقرار، ومنع الانهيارات، وإعادة فتح قنوات العمل العربي المشترك تحت سقف رؤية سعودية متطورة للحفاظ على الأمن والسلام في المنطقة.
أمّا على الضفة الأخرى، فقد مثّل هذا التقارب السعودي–الأميركي ضربة سياسية قاسية لحكومة بنيامين نتنياهو التي كانت تراهن على استمرار التباينات بين الرياض وواشنطن لتمرير سياساتها المتطرفة في غزة والضفة، وتوظيف الفوضى الإقليمية اللهروب من الاستحقاقات الداخلية التي تحاصر الحكومة الإسرائيلية سياسياً وقضائياً . ونتنياهو يدرك جيداً أن أي تعاون سعودي–أميركي صلب، قادر على التأثير في التسويات المقبلة، وسيحدّ من هامش المناورة الذي كانت تستخدمه تل أبيب، وقد تُسرّع انتقال المنطقة إلى مرحلة ما بعد حكومة اليمين الإسرائيلي المتطرف، خاصة وأن ولي العهد السعودي أكد في حديثه مع ترامب في المكتب البيضاوي في البيت الأبيض على ضرورة وضع خطة تضمن العمل على تحقيق مسار الدولتين.
الواقع أن زيارة الأمير محمد بن سلمان إلى واشنطن تؤسس لمرحلة جديدة في الشرق الأوسط، تُعيد ترتيب الأولويات، وتفتح الباب أمام شرق أوسط مختلف: أكثر توازناً، وأكثر قدرة على إنتاج حلول سياسية، وأقل خضوعاً للابتزاز الإسرائيلي، أو للنفوذ الإيراني غير المنضبط. إنها زيارة تُشبه إعلاناً مبكراً عن ميلاد معادلة إقليمية جديدة… معادلة تكون السعوديّة فيها حجر الزاوية، والولايات المتحدة شريكها الأول، فيما يتراجع دور القوى التقليدية التي اعتادت اللعب على حافة الهاوية، وإثارة الفتن والفوضى.











































































