اخبار لبنان
موقع كل يوم -الهديل
نشر بتاريخ: ١٩ تشرين الأول ٢٠٢٥
خاص الهديل…
بقلم: ناصر شرارة
يريد الشرق الأوسط أن يصدق أن ترامب لديه إرادة تحقيق السلام وليس فقط أخذ صورة لنفسه يستخدمها في رصيده الشخصي ويصرفها لدى لجنة جائزة نوبل عام ٢٠٢٦ أو في صراعه الداخلي ضد نموذج الديموقراطيين الذي يريد ترامب إثبات أنه فاشل داخلياً وعالمياً بمقابل نموذجه الناجح.
في الشرق الأوسط هناك انقسام حاد موضوعه هل نراهن على ترامب؟؟؛ هل يمكن الركون لشخصيته المتقلبة، وأحياناً غير السوية في تصرفاتها؟.
صارت لحد كبير معروفة آراء الذين يقولون لا يمكن الرهان على ترامب، وأنه رئيس يعاني من داء الملل، وأنه دائم البحث عن صفقة رابحة، وحينما يحصل عليها يذهب للبحث عن أخرى، وأنه رئيس لا يتابع ملفاته السياسية الاستراتيجية حتى النهاية؛ لأنه رجل صفقات وليس استراتيجياً؛ وبالتالي فهو في شرم الشيخ فتح ملفاً مهماً؛ ولكنه لن يكمل متابعته، والنتائج المتوقعة على ذلك هو أن يعود نتنياهو لتغوله بعد أن يحتوي مبادرة ترامب، وتظل غزة بحالة لا حرب شاملة ولا استقرار مستديم وهذا وضع يناسب اليمين الإسرائيلي وحماس التي ترفض دخول قوات أجنبية أو عربية لغزة.
هذه الآراء أصبحت معممة؛ وعليه فإن الطروحات غير المعممة فهي تتعلق بموقف الذين يثقون بأن ترامب هذه المرة جدي وسيكمل متابعة تنفيذ خطته حتى النهاية..
لماذا يثق هؤلاء بترامب هذه المرة؟؟.
هناك عدة أسباب أو بالأحرى عدة مدارس في الشرق الأوسط تقدم كل واحدة منها على طريقتها رؤية إيجابية لترامب:
المدرسة الأولى تقول – وعمرو موسى واحد من روادها – أنه بالنهاية لا يجب على المنطقة أن تحكم على مبادرة ترامب انطلاقاً من الحالة السلوكية للأخير؛ فبالنهاية يجب التعامل مع ترامب بوصفه رئيس الولايات المتحدة الأميركية، وبوصفه الطرف الأكثر تأثيراً في معادلة المنطقة في لحظتها الراهنة التي ولدت بعد اجتماع شرم الشيخ
وأنصار هذه المدرسة يسألون أنفسهم: من هو الأفضل للسلام، أو لمجرد فكرة البحث عن السلام في الشرق الأوسط: ترامب أم بايدن؟؟. ويجيب هؤلاء بسرعة: طبعاً ترامب؛ والأسباب كثيرة لتفضيله؛ أبرزها أنه يستطيع إنتاج حركة وحيوية باتجاه التسوية.. أضف إلى ذلك أنه صحيح أن سلوك ترامب مستغرب ومدهش؛ ولكن الصحيح أيضاً أن هذا السلوك المستغرب والمدهش أنتج وأدى إلى نتائج مدهشة بدليل اجتماع شرم الشيخ الذي جمع العالم على فكرة وقف حرب غزة وبدليل نجاح ترامب بحل عقدة إطلاق الأسرى..
المدرسة الثانية التي تدعو لعدم 'القنوط' من ترامب تلفت النظر إلى أمر تعتبره هاماً – وهو بالفعل هام – ومفاده أن ترامب رئيس يغرد خارج سرب نادي رؤساء الولايات المتحدة الأميركية. وبالمبدأ هذه الفكرة معروفة؛ وترامب كل يوم يقدم تصرفاً من قبله، ويصدر أمراً تنفيذياً بتوقيعه؛ يؤكدان أنه مختلف عن الرؤساء الذين سبقوه. لكن النقطة النوعية في هذا التحليل هي التي تقول أن معظم الرؤساء الذين حكموا البيت الأبيض بعد انهيار الإتحاد السوفياتي كانوا ينتمون لواحدة من مدرستين إثنتين:
الأولى مدرسة الرئيس هاملتون الذي يتبنى عقيدة أن على الولايات المتحدة الأميركية أن ترث وتحاكي نموذج الإمبراطورية البريطانية التي توصي بأن تغزو الأسواق العالمية وتجعل الشركات الأميركية في الداخل والخارج هي الأقوى وتضرب كل من يحاول إعاقة تمددها، الخ…
الثانية مدرسة ويلسون التي تدعو إلى أن تحكم واشنطن العالم من خلال المؤسسات الدولية التابعة عملياً لها، وأن تتدخل في دول العالم من أجل إرغامها أو إغرائها على جعل أنظمتها تشبه النظام الأميركي الليبرالي، لأن هذا التشابه يمنع نشوب حروب كبرى في العالم.
ويقول أتباع مدرسة ويلسون أن المانيا لأنها كانت نازية ونظامها هو نقيض النظام الأميركي، اندلعت الحرب بين البلدين؛ وكذا الحال بالنسبة لليابان الفاشية.
الرئيس ترامب لا يؤمن بكل هذه المدارس ونموذجه المفضل هو الرئيس أندريه جاكسون الذي يضع ترامب صورته في مكتبه البيضاوي. لا تؤمن الجاكسونية بالحروب إلا للدفاع عن مصالحها المباشرة؛ ولا تريد التدخل في شؤون العالم إلا إذا كان لأميركا مصلحة مباشرة واضحة بذلك.
يسمي البعض الجاكسونية بالتيار الانعزالي نظراً لأنه يريد أن تهتم أميركا بنفسها؛ وتترك العالم يهتم بنفسه؛ والجاكسونيون، وترامب واحد منهم، لا يرغبون بالتحالف مع دول أخرى، لأن هذا التوجه يشكل عبئاً على أميركا؛ وهذا ما يفسر موقف ترامب المشروط من بقائه في الناتو ومن الاستمرار بتحالفه مع أوروبا.
المدرسة الثالثة تقول أن مبادرة شرم الشيخ لم يسع فقط ترامب من خلالها للحصول على صورة سريعة له أو لجني صفقة سريعة لصالحه؛ بل هذه المبادرة لديها بعد عميق داخل الولايات المتحدة الأميركية مفاده العمل لإنقاذ إسرائيل من نفسها ومن الحصار الدولي الذي وصلت إليه والذي انعكس على واشنطن التي باتت تعاني – ولو بالشكل – من عزلة عالمية بموضوعي الدولة الفلسطينية ووقف الإبادة في غزة.
.. وعليه وإضافة لأسباب أخرى كثيرة، فإن مبادرة شرم الشيخ لا تعبر فقط عن حيوية ترامب التي يجب الإفادة منها – بحسب آراء هذه المدرسة – بل تعبر عن أهداف أميركية إسرائيلية عقلانية عميقة تم تصميم المبادرة لتحقيقها على مدى قصير ومدى متوسط ومن ثم مدى استراتيجي طويل.