اخبار لبنان
موقع كل يوم -درج
نشر بتاريخ: ٣١ أيار ٢٠٢٥
عندما يُغضِب الصحافيون الأشخاص الذين يتناولونهم في تحقيقاتهم، غالباً ما يرفض هؤلاء المستهدفون القصص باعتبارها غير صحيحة، أو(woke) أو يرفعون دعاوى قضائية لعرض مظالمهم في قاعات المحاكم المدنية. لكنّ سيناريو مختلفاً، يحمل تبعات خطيرة على الصحافة، يتكشّف الآن في لبنان، ويتعلّق بـ 'درج ميديا'؛ وهو موقع إخباري مستقلّ وجريء في منطقة من العالم، حيث تُستخدم معظم وسائل الإعلام كأبواق للحكومات. يقع 'درج' إلى الشرق من وسط بيروت مباشرة، ويُنتج بانتظام صحافة استقصائية مستقلّة وعالية الجودة، تمزج بسلاسة بين الأساليب الصحافية القديمة والحديثة، تماماً مثل الطراز المعماري المعاصر والكلاسيكي، الذي يحيط بمكاتبه الصغيرة في مدينة مكتظّة وممزّقة بالحروب ومعروفة بالصراعات والجدل. تأسّس 'درج' في عام 2016 على يد مجموعة من الصحافيين القلقين بشأن استمرارية إصلاحات 'الربيع العربي'، التي أطاحت بعدد من الديكتاتوريين بين 2010 و2014، وقرّر صحافيو 'درج' أنهم بحاجة إلى سلوك طريق مختلف. تقول عليا إبراهيم، الشريكة المؤسّسة لـ 'درج' والمديرة التنفيذية الحالية للمؤسّسة: 'أصبحنا مقتنعين أنه كصحافيين نعمل لدى وسائل الإعلام التقليدية، كنا جزءاً من المشكلة'. وتضيف: 'ما بدأ كمظاهرات ملهمة في جميع أنحاء المنطقة، تحوّل إلى حرب أهلية في ليبيا، وأزمة إنسانية عنيفة في اليمن، وصعود داعش، وبقاء نظام الأسد في سوريا، وعودة ديكتاتوريين أكثر قمعاً في تونس ومصر'، وتتابع: 'الاستقطاب في وسائل الإعلام المموّلة سياسياً، التي كانت…
عندما يُغضِب الصحافيون الأشخاص الذين يتناولونهم في تحقيقاتهم، غالباً ما يرفض هؤلاء المستهدفون القصص باعتبارها غير صحيحة، أو(woke) أو يرفعون دعاوى قضائية لعرض مظالمهم في قاعات المحاكم المدنية. لكنّ سيناريو مختلفاً، يحمل تبعات خطيرة على الصحافة، يتكشّف الآن في لبنان، ويتعلّق بـ 'درج ميديا'؛ وهو موقع إخباري مستقلّ وجريء في منطقة من العالم، حيث تُستخدم معظم وسائل الإعلام كأبواق للحكومات.
يقع 'درج' إلى الشرق من وسط بيروت مباشرة، ويُنتج بانتظام صحافة استقصائية مستقلّة وعالية الجودة، تمزج بسلاسة بين الأساليب الصحافية القديمة والحديثة، تماماً مثل الطراز المعماري المعاصر والكلاسيكي، الذي يحيط بمكاتبه الصغيرة في مدينة مكتظّة وممزّقة بالحروب ومعروفة بالصراعات والجدل.
تأسّس 'درج' في عام 2016 على يد مجموعة من الصحافيين القلقين بشأن استمرارية إصلاحات 'الربيع العربي'، التي أطاحت بعدد من الديكتاتوريين بين 2010 و2014، وقرّر صحافيو 'درج' أنهم بحاجة إلى سلوك طريق مختلف. تقول عليا إبراهيم، الشريكة المؤسّسة لـ 'درج' والمديرة التنفيذية الحالية للمؤسّسة: 'أصبحنا مقتنعين أنه كصحافيين نعمل لدى وسائل الإعلام التقليدية، كنا جزءاً من المشكلة'.
وتضيف: 'ما بدأ كمظاهرات ملهمة في جميع أنحاء المنطقة، تحوّل إلى حرب أهلية في ليبيا، وأزمة إنسانية عنيفة في اليمن، وصعود داعش، وبقاء نظام الأسد في سوريا، وعودة ديكتاتوريين أكثر قمعاً في تونس ومصر'، وتتابع: 'الاستقطاب في وسائل الإعلام المموّلة سياسياً، التي كانت تدفع رواتبنا، كان جزءاً من المشكلة، ولهذا أطلقنا درج، أردنا فقط أي شيء يُخرجنا من الحفرة العميقة التي كنّا نشعر أننا فيها، خطوة صغيرة تلو الأخرى'.
ابتكر 'درج' الشعار الصحافي 'القصّة الثالثة'، الذي يمثّل نجم الشمال التحريري للموقع: صحافة مستقلّة مكرّسة لسرد قصص تتجاوز التقارير السطحية، التي تركّز على الصراع السنّي الشيعي، أو السعودي الإيراني، أو بين النظام والإسلاميين، وهي التغطيات التي تُهيمن على كثير من وسائل الإعلام في المنطقة، تقول إبراهيم: 'نحن مملوكون بنسبة 100٪ من قبل صحافيين. أولويتنا هي إنتاج صحافة جيدة، وولاؤنا هو حصراً للصالح العامّ'.
ومن باب الشفافية، قمت بدعوة إبراهيم للانضمام إلى مجلس إدارة 'شبكات البثّ في الشرق الأوسط' (MBN) عندما كنت رئيساً لمجلس الإدارة غير المدفوع التابع لها، وهي شبكات مموّلة من الحكومة الأميركية، وتهدف إلى تقديم أخبار موضوعية وواقعية عن الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وقد تحرّكت إدارة ترامب لإغلاق هذه الشبكات، ولم يعد له علاقة بالمؤسًسة منذ أكثر من عام.
عندما كنت أبحث عن أعضاء جدد للمجلس، أثار إعجابي عمل عليا ابراهيم الصحافي، ودورها في تأسيس 'درج'، الذي يعدّ من بين الأصوات الصحافية المستقلّة القليلة في لبنان؛ وهو جمهورية ديمقراطية برلمانية مكبّلة بنظام محاصصة طائفي، ومشوّهة بعدم الاستقرار السياسي، وتراجع ديمقراطي، وحرّية صحافة شكلية.
منذ تأسيسه، أنتج 'درج' قصصاً حول قضايا غير مُبلّغ عنها بشكل كافٍ، بما في ذلك حقوق الأقلّيات، وقضايا النوع الاجتماعي، والاهتمامات البيئية، وحرّية التعبير. في واشنطن، تُعتبَر مثل هذه المواضيع (woke) – أي قضايا مثيرة للغضب لدى أعضاء إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي يخوض الآن حملة لإزالة أي إشارة لها من الوكالات الحكومية الأميركية.
أما في الشرق الأوسط، فيرى العديد من النافذين أن القصص المتعلّقة بهذه القضايا، تشكّل تهديداً للنظام القائم الذي يهيمن عليه الذكور. وتجربة 'درج' تبيّن كيف يمكن لأصحاب السلطة تصعيد مثل هذه النزاعات إلى ما هو أخطر، بخاصّة عندما تكون المصالح على المحكّ.
كان 'درج' من رواد الصحافة الاستقصائية التعاونية، وشارك في مشاريع تتعدّى الشأن اللبناني المحلّي، مثل مشروع (Paradise Papers) وهو مشروع تحقيق عالمي كشف الصفقات المالية الخارجية لبعض أقوى الأفراد والشركات في العالم، كما شارك 'درج' في مشروع (Dubai Unlocked) الذي كشف كيف تحوّلت دبي إلى مركز عالمي متألّق للثروات غير المشروعة، وغسيل الأموال، والفساد، والشبكات الإجرامية التي تستغلّ التساهل التنظيمي المالي في المدينة.
لكنّ القصّة التي حملت عواقب أكثر خطورة كانت لبنانية خالصة، فقد ركز صحافيو 'درج' على الفساد المتجذّر في القطاع المصرفي اللبناني القوي، وكشفوا كيف أن كبار المديرين التنفيذيين في البنوك اللبنانية ووسيطاً مالياً معروفاً، متورّطون في تحقيق أرباح غير قانونية، ومتواطئون مع النخب السياسية ومصرف لبنان؛ المكافئ اللبناني للاحتياطي الفيدرالي الأميركي، واتّهمت التقارير المصرفيين بالمقامرة بودائع العملاء، وتحقيق الأرباح خلال فترة 'الهندسة المالية' التي قادها حاكم مصرف لبنان المخضرم.
هزّ التحقيق الأوساط المصرفية والاقتصادية في لبنان، وتسبّب في اضطرابات في الأسواق المالية، وصدع في نظام مصرفي كان يُعتبَر سابقاً حديثاً ومستقرّاً، وجاء التحقيق بعد انهيار اقتصادي كبير خفّض الناتج المحلي الإجمالي للبنان بنحو الثلث، كما كان للتحقيق آثار تتجاوز بيروت، إذ أدّت إلى إجراءات قانونية في سويسرا، بما في ذلك تجميد أصول في سبع دول، وتحقيقات رسمية مستمرّة تستهدف البنوك ومديريها.
لكن عندما ردّت البنوك على 'درج'، تجاوزت الأساليب التقليدية التي يلجأ إليها المستهدفون من التحقيقات الصحافية لإضعاف مصداقية التقارير، وقال 'درج' إن البنوك استغلّت علاقاتها مع الحكومة والإعلام اللبناني، لتدبير تحقيقات جنائية وحملة تشويه ضدّ صحافييها، الذين تم استدعاؤهم مراراً من قِبل مكتب مكافحة الجرائم الإلكترونية، ومكتب النائب العامّ.
عادةً، تتولّى محكمة المطبوعات في لبنان القضايا المتعلّقة بالإعلام والنشر، مثل القدح والتشهير، لكنّ منتقدي 'درج' تجاوزوا هذه المحكمة، ورفعوا عدداً من الدعاوى القضائية.
اتّهمت الشكاوى المرفوعة ضدّ 'درج' ومؤسّسة إعلامية مستقلّة أخرى تُدعى 'ميغافون' الصحافيين، بتقويض الثقة بالوضع المالي للدولة، وتقويض الثقة بالعملة المحلّية، والتحريض على سحب الودائع المصرفية وبيع السندات الحكومية، والتمويل الأجنبي المشبوه، في إشارة إلى التمويل الذي تلقّته 'درج' من مؤسّسة 'أوبن سوسايتي' التابعة للملياردير اليهودي جورج سوروس.
تقول إبراهيم: 'في المجمل، نواجه حالياً تسع دعاوى قضائية، أربعاً منها رُفعت في الأسابيع القليلة الماضية، وترافقت هذه الدعاوى مع حملة إعلامية مكثّفة شيطنت درج، واتّهمتنا بعدد كبير من التهم، من بينها تحميلنا مسؤولية انهيار الاقتصاد اللبناني، وهذا، بالطبع، ادّعاء سخيف. لقد بدأنا تحقيقاتنا حول المصرف المركزي في عام 2020″، أي بعد فترة طويلة من بدء المشكلات الاقتصادية الحالية في البلاد، التي تفاقمت بسبب النظام السياسي المشلول الذي يعاني منه لبنان منذ زمن.
وقد كشفت إبراهيم علناً أن 'درج' تلقّى تمويلاً من مؤسّسة سوروس ومصادر أخرى، في إطار سعي شفاف لبناء مصدر دخل متنوّع لا يعتمد بشكل مفرط على جهة واحدة، وأكّدت أنها لم تلتقِ بسوروس قط، وأنه يدعم العديد من الجهود الصحافية حول العالم.
تقول إبراهيم: 'إن خصوم درج يستخدمون الدعاوى القضائية والتهم الغامضة، لترهيب الصحافيين وإلهائهم عن تغطية مخالفات نخب المال والإعلام في لبنان'، وتضيف: 'أولئك الذين يقفون وراء الدعاوى يعرفون تماماً أنهم لن يفوزوا بهذه القضايا. الفكرة كلّها هي ممارسة الضغط علينا حتى لا نواصل عملنا'.
وتتابع ابراهيم: 'خصوم درج يحقّقون بعض النجاح، وسواء أعجبنا ذلك أم لا، فقد فرضت الدعوى والضجّة المصاحبة لها، نوعاً من الانحراف في مسارنا اضطررنا للتعامل معه، بسبب المخاطر المرتبطة بالسمعة. نحن فريق صغير من 25 شخصاً وميزانيتنا لا تتجاوز 1.2 مليون دولار سنوياً، ونواجه سياسيين ومصرفيين وإعلاميين يملكون موارد لا حدود لها، يمكنهم تشكيل الرواية بالطريقة التي يريدونها، وعدم الردّ عليهم لم يكن خياراً'.
ومع ذلك، هناك جانب إيجابي للهجمات، تقول إبراهيم: 'بطريقة ما، هذا ترويج لعملنا. أكثر ما أثلج صدري في هذا الوضع كلّه هو الأثر الذي تركته هذه الحملة على معنويات فريقنا، الذي شعر بالإلهام والتمكين بدعم الجمهور بشكل عامّ، وجمهورنا بشكل خاصّ'.
وتضيف: 'يتوقّع درج أن تتصاعد الحملة القضائية والإعلامية ضدّ المواقع الإخبارية المستقلّة'، وتتابع: 'مقدّم البرنامج السياسي الأعلى تصنيفًا على قناة MTV قال لنا إن الحملة ستستمرّ طوال العامّ المقبل حتى تتمّ تصفيتنا بالكامل، حتى لا يبقى أحد منا. سبب آخر يجعلنا نتوقّع استمرار هذه الحملة هو أن هذا العام انتخابي، وهذه لحظة وجودية للجهات المعنيّة'.
انتقدت منظمة 'هيومن رايتس ووتش'، وهي منظمة دولية غير حكومية تحقّق في انتهاكات حقوق الإنسان، محاولات السلطات اللبنانية لإسكات 'درج' و'ميغافون'، وقالت كريستين بيكيرلي نائبة المدير الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المنظمة: 'إن قرار السلطات اللبنانية باستدعائهم للاستجواب، يشير إلى استعداد للسماح للمصالح السياسية والمالية النافذة باستخدام النظام القضائي الجنائي كأداة لترهيب الأصوات النقدية ومضايقتها، كان على السلطات أن تحمي حرّية الصحافة، لا أن تقوّضها'.
وأضافت: 'إن استهداف هذه المؤسّسات الإعلامية يمثّل تصعيداً خطيراً في الجهود المستمرّة لترهيب الصحافة المستقلّة في لبنان وخنق الرقابة الضرورية، التي وفّرتها هذه الوسائل، من خلال تقاريرها عن دور الفاعلين الأقوياء في خلق الأزمة المالية والاقتصادية واستمرارها، التي ما زالت تُلحق أضراراً جسيمة بحقوق الناس. يجب على السلطات اللبنانية أن تُسقط الشكاوى فوراً، وأن تضمن للصحافة المستقلّة الاستمرار في عملها، من دون خوف من الترهيب أو المضايقة'.
وتختم بيكيرلي: 'إن سرعة استجابة السلطات للشكاوى ضدّ الصحافيين، تتناقض بشكل صارخ مع البطء في التحقيقات بشأن مزاعم الفساد وسوء السلوك الأخرى، بما في ذلك التعذيب'.
نشرت هذه المقابلة بدايةً باللغة الانكليزيّة هنا.