اخبار لبنان
موقع كل يوم -نداء الوطن
نشر بتاريخ: ١١ نيسان ٢٠٢٥
اتخذت الحرب الإسرائيلية على لبنان شكلاً مختلفاً ولم تتوقف، رغم إعلان اتفاق وقف إطلاق النار.
يشرح الكاتب والمحلل السياسي جوني منيّر في حديث مطول مع 'نداء الوطن':
'نعم، هذه الحرب اتخذت شكلاً آخر، الحرب الأمنية. بمعنى أن تقوم الطائرات الإسرائيلية باستهداف واغتيال كوادر 'حزب الله'، وأيضاً استهداف مواقع تقول إنه يتم نقل أسلحة أو ذخائر منها أو حركة عسكرية.
الاستراتيجية التي تتبعها إسرائيل واضحة، أولاً، تبقى في الجنوب في المواقع التي توجد فيها، ثانياً، تمنع الآن موضوع إعادة الأعمار، ولا حتى أيضاً وضع بيوت جاهزة، وهذا يعني أن تبقى هذه المنطقة التي حددتها، أو بالأحرى هذا الحزام خالياً من أي سكان. ثالثاً، المراقبة الدائمة للأجواء اللبنانية، وبالتالي قيامها بالقصف أو بالاستهداف بالطيران لما تعتبره إسرائيل أنه حركة غير مفهومة أو حركة مشبوهة بالنسبة إليها. وأيضاً خامساً وأخيراً، اغتيال الكوادر كلما سنحت لها الفرصة، كلما وجدت أنها قادرة على اغتيال الكوادر أو القيادات الميدانية لـ'حزب الله'. هذه هي الصيغة بانتظار حصول تطورات أكبر تؤدي إلى واقع جديد على المستوى اللبناني'.
ولكن هل تحرُّك المجتمع الدولي مؤجّل إلى أن تُصَحَّح الأمور؟ يقول منيّر: 'المجتمع الدولي نقصد به هنا تحديداً بشكل خاص الولايات المتحدة الأميركية بدرجة أولى، وفرنسا ومعها أوروبا بدرجة ثانية. الولايات المتحدة الأميركية قادرة وهي تمسك بقيادات أو بكل خيوط اللعبة، بينما فرنسا لديها عامل النفوذ وعامل التأثير المعنوي، وهي تحتفظ أكيد بدور في لبنان بالتفاهم مع السعودية وأيضاً بالتفاهم مع الولايات المتحدة الأميركية، لكنها لا تستطيع أن تلعب دوراً قيادياً أو اتخاذ قرارات في لبنان. وهذا ما اكتشفناه عدة مرات. لذا، هل يتحرك فعلاً المجتمع الدولي، وبالأخص الولايات المتحدة الأميركية، لوضع الأمور في نصابها؟
نعم، ولكن لديها شروط. من الواضح أن الولايات المتحدة الأميركية تريد أن يكون هناك دولة في لبنان، وبالتالي تريد لهذه الدولة أن تكون، بمعنى لا تريد ضرب الدولة أو المؤسسات الشرعية الموجودة فيها. على العكس، هي تريد أولاً ويهمها بشكل أساسي قيام الدولة بمؤسساتها، وثانياً الجيش اللبناني، الذي يهمها كثيراً. وأيضاً استتباعاً المجموعات والقوى الأمنية التي تشكل عاملاً مساعداً للجيش اللبناني، وهي تريد أن تحافظ على هذا الموضوع. ولكن لديها شروط، أبرزها على الإطلاق: إخراج إيران من لبنان.
وإيران دافعت عن نفسها بأنها جعلت ذلك وكأن إخراج إيران من لبنان يعني ضرب الشيعة في لبنان، وهذا غير وارد. هناك فارق كبير بين المطلوب، وهو إخراج إيران من لبنان. إخراج إيران من لبنان، أقول، مطلوب أميركياً، ولا أردد ذلك من باب التأييد أو المناقضة، لكن المطلوب هو إخراج إيران من لبنان، أي إخراج إيران بما تمثله بشكل أساسي من التركيبة العسكرية لـ 'حزب الله'. الولايات المتحدة الأميركية تُصر بشكل كامل على تفكيك التركيبة العسكرية لـ'حزب الله'، والذي بدأ يُعرف بنزع سلاح 'حزب الله'. ولهذا، تحاول أن تخفف الضغط كي لا تكون هناك أثمان على المستوى الإقليمي مع إيران'.
ويتابع منيّر: 'الولايات المتحدة تقوم أولاً بالضغط على الداخل اللبناني أو مساعدته من أجل خرق هذه التركيبة عبر منع وصول الأموال إليها. والأموال مسألة أساسية كي تبقى هذه التركيبة على قيد الحياة أو موجودة. وأيضاً دفع الدولة اللبنانية لإنجاز موضوع نزع سلاح 'حزب الله' أو تفكيك هذه التركيبة. وثالثاً، أيضاً المفاوضات الدائرة مع إيران والتي تركز على عدم وجود إيران عبر أذرعها كما تسميها في المنطقة، فالمستوى اللبناني أحد أبرز الساحات في هذا المجال، إضافة إلى اليمن والعراق وحتى على المستوى الساحة الفلسطينية'.
وهل يمكن أن تتوسع الحرب؟ برأي الكاتب والمحلل السياسي جوني منيّر 'هذا احتمال موجود، لكنه ضعيف. أما متى يصبح هذا الاحتمال أقوى؟ يكون ذلك في حال لم تؤدِ المفاوضات مع إيران إلى نتائج أو إلى تفاهم أو تسوية، وبالتالي إذا تطورت الأمور مع إيران إلى مواجهة. وهذا سيتطلب عملياً تحرك الواقع في لبنان والذهاب إلى تحقيق الأهداف التي تسعى إليها الولايات المتحدة الأميركية ومعها إسرائيل في لبنان، والتي تتمثل في القضاء على النفوذ الإيراني العسكري الكامل في لبنان.
هذا هو الاحتمال، أما بخلاف ذلك، فأنا لا أعتقد أن الحرب ستعود، وهذا هو الاحتمال الأكبر بالنسبة لي. ولكن، رغم ذلك، قد تبقى الحرب الأمنية مستمرة إلى أن يتم تحقيق الأهداف الأميركية والإسرائيلية في لبنان، والتي تشمل إخراج إيران من لبنان عبر تفكيك التركيبة العسكرية لـ 'حزب الله'. وهذا الموضوع، كما كررت وأكرر، الوقت ليس مفتوحاً ومحدداً بشكل فعلي، لكنه لا يكون مفتوحاً إلى الأبد. وبالتالي، يجب السير في هذا الإطار. ما يعني أن الحرب الأمنية أو التوترات التي نشهدها حالياً، وربما ارتفاع السخونة في بعض الأحيان، موجودة الآن. لكن، وفقاً للظروف الحالية ووفقاً لبدء المفاوضات الأميركية الإيرانية، لا أعتقد أن هذا سيتطور إلى حرب مفتوحة'.
وماذا عن 'حزب الله'؟ هل سيتخذ قراره بالرد؟ أم سيُبقي المجال مفتوحاً للدولة؟ يجيب منير: 'أعتقد أنه بات من الواضح أن 'حزب الله' تلقى ضربات قوية على مستوى بنيته العسكرية، وتضرر بشكل كبير. وباعتقادي الشخصي، إذا كان 'حزب الله' قادراً على الرد أو على فتح الجبهة، لما كان قد ذهب أصلاً إلى وقف إطلاق النار، ولما توقف الآن أمام عدم الرد على الاعتداءات الإسرائيلية. ربما يريد 'حزب الله' بعض الوقت لإعادة ترميم بنيته العسكرية، والتي تضررت، ولكنني لا أعتقد أن 'حزب الله' سيكون قادراً في المدى المنظور على الرد أو استعادة موقعه السابق. أعتقد أن هذا لم يعد متوفراً، ولذلك يبرر ذلك إعلامياً بالقول: نحن سلمنا كل ذلك إلى الدولة، وهو أصلاً وافق على القرار 1701 والاتفاق الخاص بوقف إطلاق النار.
وبالتالي، هو يقول إعلامياً إنه يسلم الأمر إلى الدولة اللبنانية، ولكنه في الحقيقة غير قادر على التصعيد ميدانياً. في كل الأحوال، مواقعه في جنوب الليطاني قد تم استهدافها، حيث أن الجيش اللبناني استولى على حوالى 200 موقع لـ 'حزب الله'، بين مستودعات ذخيرة ومواقع سلاح وغيرها فكيف يمكنه الرد إذا كانت هذه المواقع قد تم تدميرها؟
إضافة إلى ذلك، القدرة الصاروخية لـ 'حزب الله'، والتي كانت نقطة قوته، قد تأثرت بشكل كبير. حيث قالت إسرائيل إن الصواريخ الدقيقة التي يملكها 'حزب الله'، والتي تقدر بحوالى 5000 صاروخ، تم تدمير نسبة عالية منها، حوالى 90%. ورغم أن 'حزب الله' لا يزال يحتفظ بقسم صغير من هذه الصواريخ، إلا أن ذلك لا يعني أنه سيبدأ في إطلاقها بكاملها، وبخاصة أن المنطقة مفتوحة على صراع كبير. أنا لا أعتقد أن 'حزب الله' لديه خيار الرد المباشر، ولكن في مواقفه العلنية، سيحمّل دائماً السلطة اللبنانية المسؤولية، ولديه مصلحة سياسية بذلك، وسيطالبها بالرد. وسيقول: أنا أعطيتك مهلة، ولكن هذه المواقف هي مواقف سياسية وليست حقيقية'.
أين لبنان من التطبيع مع إسرائيل؟
ختاماً وفي دردشة حول عبارة التطبيع التي تتردد بكثرة مؤخراً يقول جوني منيّر: 'أعتقد أنه من الغباء أن يستمر البعض في تناول موضوع التطبيع بهذه الطريقة. لبنان ليس في وارد الذهاب إلى التطبيع، فواقعه الداخلي لا يسمح بذلك. أعتقد أيضاً أن الدعوات الخارجية للذهاب إلى التطبيع، وأعني هنا الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل، ليست جادة بما يكفي. هي تبقى مطلباً إعلامياً فقط، تهدف إلى الضغط على مسائل أخرى.
في الواقع، لبنان ليس مهيأ داخلياً وليس في وارد التطبيع، لا على المستوى الرسمي ولا على المستوى الشعبي. وبالتالي، الربط بين هذين الموضوعين أعتقد أنه إعلامي جدلي، لكنه ليس واقعياً. أما في ما يخص المشروع الكبير المطروح، فإن الجدية الوحيدة ربما تكمن في تطبيق اتفاقية الهدنة التي وُقعت عام 1949، فهي الحد الممتاز الذي أصلاً تريده إسرائيل، وهو يوفر ضمانات أمنية للطرفين وفي الوقت نفسه، لا يتضمن الاعتراف بالكيان الإسرائيلي. أما هل يحدث التطبيع يوماً؟
من يستطيع التنبؤ بالمستقبل؟ لكن وفق الظروف الحالية، هذا غير وارد. حتى ولو قامت الدول العربية الخليجية بالتطبيع، فهذا قد يفتح الباب قليلاً إلى الأمام. لكن إذا قلتُ إن التطبيع مؤذٍ للبنان، فهذا لأنه يُلغي دور لبنان المتقدم والمتميز والفريد، خصوصاً في ساحله ومرفأ بيروت، حيث سيستبدلونه بمرفأ حيفا. وهذا سيكون مؤذياً للبنان.
لكن إذا افترضنا أن لبنان قد يسير نحو التطبيع، فقد يكون آخر دولة في الشرق الأوسط التي تستطيع الذهاب في هذا الاتجاه. لذلك، أقول إن المسار الوحيد أمامنا هو اتفاقية الهدنة. وإذا حدث التطبيع في إطار الصراع أو التنافس الحاصل في المنطقة، سيؤدي ذلك إلى تفجير لبنان من الداخل. نحن ندرك جيداً التركيبة الحساسة للبنان وكيفية تنوعها. وأنا لا أعتقد أن التطبيع هو واقع جدي للذهاب في هذا الاتجاه، إلا إذا كان لبنان آخر دولة في الشرق الأوسط التي قد تختار هذا الطريق'.