اخبار لبنان
موقع كل يوم -الهديل
نشر بتاريخ: ٤ تموز ٢٠٢٥
خاص الهديل…
قهرمان مصطفى
منذ أن وضعت الحرب أوزارها بين إيران وإسرائيل، إثر 12 يوما من القصف المتبادل والتدخّل الأميركي العسكري المباشر، لم تهدأ دوائر الجدل حول حقيقة ما جرى، ولا حول مستقبل المنطقة التي تُركت معلقة بين ذاكرة الدمار وهواجس ما بعده. فهل كانت حربا مكتملة أم مجرّد فصل من صراع مزمن؟ وهل تشكّل الضربات الأميركية لإيران لحظة فاصلة، أم مجرّد محطة تأجيل لا أكثر؟
الرئيس الأميركي دونالد ترامب أعلن سريعا 'النصر'، ملوّحا بالسلام كعنوان للمرحلة المقبلة، ومعتبرا أن قاذفات 'بي 2' وقنابل 'جي بي يو 57' الخارقة قد حسمت المعركة تقنيا ونفسيا؛ لكن هل تحقّق الهدف؟ أم أن ما جرى لا يعدو كونه استعراضا لقوة أميركية مفرطة في لحظة جيوسياسية حرجة؟
تُصرّ واشنطن على أن مشروع إيران النووي تلقى 'ضربة قاضية'، بينما تؤكّد طهران أن ما جرى أبطأ البرنامج فقط، دون أن يُدمّره. في المقابل، يلتزم الخبراء الصمت الموارب: الحديث لا يدور حول الدمار بل عن الزمن اللازم لاستعادة ما تضرّر، وهذا وحده كفيل بجعل الضربات مجرّد استراحة مؤقتة في سباق لا يبدو أنه سينتهي قريبا.
الأكثر خطورة أن هذه الحرب، وإن لم تطل كثيرا، أعادت النقاش حول الأهداف غير المعلنة: فإسرائيل استهدفت أيضاً البنية الصاروخية الإيرانية، في رسالة مزدوجة تُشير إلى أن المعركة لم تكن فقط حول تخصيب اليورانيوم، بل حول النفوذ الإقليمي بأبعاده كلها.
الرئيس ترامب يتحدّث عن مفاوضات جديدة، و'فرصة واقعية' لصوغ اتفاق شامل. لكن أي اتفاق؟ هل المطلوب هو تفاهم نووي جديد فحسب، أم تسوية جذرية تُعيد رسم قواعد الاشتباك بين طهران وتل أبيب، أو حتى بين طهران وواشنطن؟
في هذا السياق، يدور حديث عن مفاوضات محتملة 'غير تقنية'، تتناول كل عناصر الاشتباك: من دور إيران في سوريا ولبنان، إلى مستقبل الميليشيات، وصولا إلى شكل العلاقة المستقبلية مع إسرائيل. وقد تكون هذه المرّة الأولى التي تُطرح فيها 'رؤية شاملة'، تحت ضغط النيران لا تحت سقف التفاهمات الدبلوماسية.
الدرس الأهم ليس في من انتصر، بل في ما إذا كان هناك مَن تعلّم؛ فالحرب أعادت فتح أبواب سباق تسلّح إقليمي، لا سيما مع تصاعد الرهانات على التكنولوجيا العسكرية المتقدّمة كوسيلة لفرض الهيبة أو الردع؛ لكن في المقابل، ثمّة صوت آخر بدأ يظهر في الخليج تحديدا، حيث اختبر ترامب بنفسه، خلال جولته الأخيرة، نماذج جديدة من التنمية والانفتاح، بعيدة عن لغات الحرب والنفوذ.
هذا الصوت، وإن كان لا يزال خافتا، يحمل إمكانات كبيرة: فهل تتحوّل المنطقة من ساحة نزاع إلى مساحة ابتكار؟ وهل تتمكّن قوى الإقليم من بناء شراكات حقيقية تتخطى سرديات 'العدو' الأزلي؟
لا شك أن مسؤولية الولايات المتحدة مضاعفة اليوم. فهي ليست فقط الطرف الذي أشعل شرارة التصعيد، بل هي أيضا الدولة الوحيدة التي ما زال بيدها قرار إعطاء فرصة للسلام، بدل تأجيل الانفجار إلى وقت لاحق.
وفي قلب هذه المعادلة، يكمن القانون الدولي الذي تمّ سحقه مرارا تحت وطأة القوة العسكرية؛ فهل يكون 'ما بعد الحرب' فرصة لإعادة الاعتبار إلى قواعده، أم سنشهد مرحلة جديدة من التفكّك القانوني، حيث تصبح القنابل الذكية هي المرجع الأخير؟
ما بعد الضربات ليس مجرّد 'مرحلة انتقالية'، بل لحظة مفصلية: إما أن تُعيد رسم خرائط المنطقة على أسس من التعاون الحقيقي، أو أن تتحوّل إلى هدنة هشّة تعيش على إيقاع العسكرة والشكوك؛ وأمام هذا المنعطف، يبقى السؤال معلّقا: هل من يملك الشجاعة للسلام.. قبل أن تتكرّر هيروشيما من جديد؟