اخبار لبنان
موقع كل يوم -ام تي في
نشر بتاريخ: ٢٦ تموز ٢٠٢٥
كأن ما كُتب قد كُتب، والعدالة الإنتقائية في لبنان باتت مادة مستحدثة تستند إليها رئاسة مجلس النواب وفئة لا يستهان بها من القضاة، والمستثنون لا حول لهم ولا قوة.
طبعاً الكلام ليس من باب الدفاع أو تبرئة الوزراء والنواب المحالين إلى التحقيق. لكن ثمة نواب ووزراء تم استدعاؤهم للمثول أمام قاضي التحقيق العدلي في جريمة تفجير المرفأ القاضي طارق البيطار ولم يحضروا ولم ترفع عنهم الحصانة والأغرب من كل ذلك أن هؤلاء النواب أنفسهم صوتوا على قرار رفع الحصانة عن النائب بوشكيان – ونكرر أننا لسنا في صدد الإدانة أو التبرئة – وأيضا على إحالة وزراء سابقين إلى التحقيق. فهل أضحت العدالة الإنتقائية أو المحاسبة على القطعة عرفاً مستبداً تحت سقف البرلمان وشعاراً للقضاء اللبناني؟
المحامي يوسف لحود يوضح لـالمركزية أن هناك نوعين من المحاسبة للوزراء ورؤساء الحكومات والنواب الحاليين والسابقين. الأولى وتتم عبر القضاء العدلي كما الحال اليوم في ملف تفجير المرفأ وأمام النيابة العامة التمييزية وهذه المحاسبة إيجابية نوعا ما. والمحاسبة الثانية وتتم عبرالمجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء وصولا إلى المجلس النيابي ولها طابع سياسي لأن الذين يقومون بالإدعاء والإتهام هم النواب أي أشخاص غير مختصين بالقانون ولا يتعاطون الأحكام القضائية. من هنا أعوّل على المحاسبة أمام القضاء العدلي وليس المجلس النيابي ومن بعدهما المجلس الأعلى لمحاكمة الوزراء والرؤساء سيما وأنه لم يصدر عن الأخير منذ تاريخ إنشائه حكما بإنزال العقوبة بأي متهم.
مثنياً على الدور الذي يقوم به مدعي عام التمييزلما يقوم به بصورة فعالة لملاحقة وزراء على أفعال جرمية ارتكبوها خلال توليهم مهامهم في وزاراتهم، لكن المفارقة أنه في وقت رفضت النيابة العامة التمييزية ملاحقة وزراء متهمين في أكبر وأفظع الجرائم في تاريخ البشرية الحديث أي جريمة تفجير مرفأ بيروت ، تقبل بملاحقة وزراء في قضايا أخرى تتعلق بوزارة الإقتصاد والصناعة. هذه مفارقة وتناقض.
ما يعوّل عليه المحامي لحود كما اللبنانيين الوصول إلى خواتيم المحاسبة وإنزال الأحكام الفعالة وهنا تكمن العبرة. ويقول نتوخى من النيابة العامة والقضاة متابعة المسار الجدي ومن القضاء المختص إنزال العقوبات الملائمة بحق من تثبت عليه الأدلة ليكون عبرة ويؤسس لدولة القانون على قاعدة الهيبة وليس التراخي.
ويختم مؤكداً أن الفساد بات مكشوفاً لدى اللبنانيين لكن لا توجد لديه أدلة... لذلك نطلب فتح باب المحاسبة أمام المجلس العدلي وليس أمام المجلس النيابي لكل الوزراء الحاليين والسابقين وفي السياق يسأللماذا لم تتم إحالة الوزراء حرب والصحناوي والجراح في ملف وزارة الإتصالات أمام المجلس العدلي؟ تبقى العبرة في الخواتيم.
في تموز 2021 قالها قاضي التحقيق في قضية تفجير المرفأ طارق البيطار وادّعى على رئيس حكومة تصريف الأعمال حسّان الدياب، كما وجه كتابا إلى مجلس النواب بواسطة النيابة العامة التمييزية، طلب فيه رفع الحصانة النيابية عن كل من وزير المال السابق علي حسن خليل، وزير الأشغال السابق غازي زعيتر ووزير الداخلية السابق نهاد المشنوق، تمهيدا للادعاء عليهم وملاحقتهم بجناية القصد الاحتمالي لكن قامت القيامة ولم تقعد في مسألة النواب والوزراء المدعى عليهم في جريمة تفجير مرفأ بيروت المصنفة بجريمة العصر. فهل تحولت الحصانة إلى نظام إنعدام مسؤوليّة أو إفلات من العقاب بشكل يتناقض مع فكرة العدالة؟
مصدر قضائي يوضح لـالمركزية أن على عكس كل ما يُقال ويُردّد، فإن الحصانة غير متوفّرة لرئيس مجلس الوزراء والوزراء عند اقترافهم جرماً جزائياً على غرار جريمة تفجير المرفأ التي تُخضعهم للقوانين العامة ولنفس القضاء الذي يُمارس سلطته على المواطنين كافة.
ويضيف: استناداً للقانون فإن المادة 70 من الدستور تنص على أن لمجلس النواب أن يتهم رئيس مجلس الوزراء والوزراء في حال إرتكابهم الخيانة العظمى أو إخلالهم بالواجبات المترتبة عليهم. ولا تشمل هذه المادة الجرم الجزائي الذي يبقى خارج حلقة الاتهام من قبل مجلس النواب، كما ان الجرم الجزائي لا يخضع للمحاكمة امام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، إذ أن محاكمة رئيس مجلس الوزراء والوزير المتهم أمام المجلس الأعلى التي تنص عليها المادة 71 من الدستور تشمل اقتراف الجرم الجزائي. وتؤكد المادة 60 عدم توفر الحصانة لرئيس مجلس الوزراء والوزراء عند اقتراف جرم جزائي. أما التبعة في ما يختص بالجرائم العادية، فتحصر إذن المجلس النيابي للملاحقة الجزائية وتحصر المحاكمة أمام المجلس الأعلى بشخص رئيس الجمهورية، ما لم تنصّ عليه المادة في ما يختصّ بارتكاب جرم جزائي من قبل رئيس الوزراء أو الوزراء.
بناء على ما تقدم صفر حصانات أمام جريمة تفجير أودت بحياة أكثر من 200 ضحية وأكثر من 6000 جريح ومصاب عدا عن الخسائر المادية التي محت معالم جزء كبير من العاصمة بيروت. وبالتالي يفترض مثول الوزراء ورؤساء الحكومات أمام القضاء العدلي وليس أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء.
ويختم: لا العريضة ولا سواها من الفتاوى ستغير حرفا في الدستور. وعلى النواب المطالبين بضرورة رفع الحصانة أن يرفعوا عريضة تتضمن نقطتين: أولا لا دور للنواب بإعطاء الإذن بالملاحقة وثانيا ضرورة مثول المدعى عليهم امام المجلس العدلي لأن التهمة جنائية وليست خيانة عظمى أو إخلال بالواجبات. وأي كلام آخر هو بمثابة تزوير للدستور وتعد على صلاحياته. والقاضي البيطار يؤدي دوره بالمباشر وبشكل صحيح. المهم عدم وضع العراقيل أمامه بهدف أخذ الملف إلى مكان آخر.