اخبار لبنان
موقع كل يوم -المرده
نشر بتاريخ: ٢٠ تشرين الثاني ٢٠٢٥
كتب صلاح سلام في 'اللواء':
تزامن التصعيد العسكري الإسرائيلي على لبنان مع خطوة أميركية مستغربة ــ بل صادمة ــ تمثّلت في إلغاء الإدارة الأميركية مواعيد كانت مقررة لقائد الجيش اللبناني العماد رودولف هيكل في البنتاغون، بذريعة ورود عبارة 'العدو الإسرائيلي' في أحد بيانات المؤسسة العسكرية اللبنانية.
هذه الذريعة ليست مجرد تفصيل بروتوكولي، بل تكشف منسوب الانحياز الأميركي غير المسبوق إلى الرواية الإسرائيلية، حتى ولو جاء ذلك على حساب ما تبقّى من صورة «الوسيط» التي تحاول واشنطن الاحتفاظ بها.
فالجيش اللبناني، الذي يُفترض أنه الشريك الأول للولايات المتحدة في برامج الدعم والتجهيز والتدريب، لم يخرج عن الثوابت الوطنية حين استخدم توصيف 'العدو' الذي ينسجم مع الدستور اللبناني ومع قرارات الحكومة الشرعية، ومع واقع الاعتداءات اليومية التي يتعرض لها لبنان منذ عقود. لكن واشنطن أرادت، عبر هذه الخطوة، توجيه رسالة واضحة: أمن إسرائيل أولاً… وما عداه تفاصيل.
اللافت أن هذا الموقف جاء في توقيت بالغ الحساسية، حيث تتواصل الغارات الإسرائيلية على الجنوب والبقاع، ويسقط الشهداء يومياً، فيما تتصرف لجنة مراقبة وقف العمليات العسكرية 'الميكانيزم' والماكينات الدبلوماسية الأميركية وكأنها لا ترى إلا «خرقاً لغوياً» في بيان الجيش، وتتجاهل الخروق الفعلية التي ترتكبها إسرائيل للسيادة اللبنانية والقرار 1701, مع كل ما يحمله ذلك من تهديدات ومخاطر لأمن وإستقرار البلد.
الأخطر من ذلك، أن ما جرى يعكس تحوّلاً في النظرة الأميركية إلى موقع الجيش اللبناني في المعادلة الإقليمية. فبدلاً من دعم دوره الوطني في حماية الحدود، تحاول واشنطن ــ بضغط من اللوبيات الإسرائيلية ــ تطويعه سياسياً وإدخاله في اشتباك بغير طبيعته، عبر فرض معايير لغوية وسياسية لا يمكن لأي جيش في العالم القبول بها، وخصوصاً جيش يواجه عدواناً يومياً.
في جوهر الأمر، لا يتعلق الموضوع بعبارة وردت في بيان، بل بمحاولة فرض 'تأديب سياسي' على المؤسسة العسكرية اللبنانية كلما خرجت عن النص الذي ترغب به واشنطن وتل أبيب. وهذه سابقة خطيرة تُضاف إلى السلوك الأميركي في المنطقة، من العراق إلى غزة ولبنان، حيث يجري التعامل مع إسرائيل ككيان فوق المحاسبة، ومع الآخرين كملحقين عليهم فقط الالتزام بما تمليه المصالح الصهيونية.
لكن ما لم تدركه واشنطن بعد، هو أن الجيش اللبناني ليس تابعاً لأي محور، وأن شرعيته لا يستمدها من مواعيد في البنتاغون، بل من التفاف اللبنانيين حوله، ومن دوره في حماية الأرض والسيادة، ومن وقوفه على مسافة واحدة من الجميع، باستثناء عدو واحد لا يختلف عليه اللبنانيون: إسرائيل.
الولايات المتحدة، بخطوتها الأخيرة، لم تُضعف الجيش اللبناني، بل أضعفت ما تبقّى من صدقيتها كوسيط. أما لبنان، فسيبقى متمسكاً بمؤسسته العسكرية، وسسيبقى الجيش موضع فخر كل لبناني. مهما حاولت الضغوط الخارجية إعادة صياغة أولوياته أو تغيير قاموسه الوطني.











































































