اخبار لبنان
موقع كل يوم -جريدة اللواء
نشر بتاريخ: ٢٥ أب ٢٠٢٥
ندى عبد الرزاق
لم تعد حوادث السير في لبنان مجرد حوادث عادية، بل أصبحت مصدر قلق حقيقي يحصد مئات وربما آلاف الأرواح سنوياً. الوضع بات خطراً، والطرقات مهترئة، والصيانة شبه معدومة، مما يزيد من خطورة التنقل اليومي على المواطنين. وفي جولة قامت بها «اللواء» على وسائل التواصل الاجتماعي خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية، لفت تنوّع آراء المتابعين الانتباه حول أسباب هذه الحوادث؛ فبعضهم نسبها إلى التوتر النفسي الناتج من الأوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعبة، فيما رأى آخرون أن السبب يكمن في غياب الدولة عن مراقبة الطرق وضمان السلامة، بينما شدّد فريق ثالث على ضرورة إعادة النظر في معايير إصدار رخص القيادة لضمان أن يكون السائق مؤهّلاً لذلك.
من الناحية الجوهرية، بات من غير المقبول تجاهل ما يحدث على طرقات لبنان، خصوصاً في ظل الأرقام المخيفة لضحايا حوادث السير وما تخلّفه من خسائر بشرية ومادية. من هنا، تفرض هذه الأزمة على الجهات المعنية والمجتمع ككل التفكير بجديّة في حلول شاملة وجذرية لتقليل الخطر وتأمين سلامة المواطنين على الطرقات.
«اليازا» تحذّر!
في سياق متصل بهذه المعضلة، أصدرت «اليازا» بيانا في الساعات الماضية أشارت فيه الى ان: «أكثر من 40 قتيل في آب 2025 وحده، ما قد يتجاوز 1000 ضحية سنوياً. وتكمن الأسباب الأساسية في السرعة الزائدة، غياب المعاينة والرقابة، حوادث الشاحنات والدراجات النارية، السيارات المتهالكة، ورداءة الطرقات».
أمن الطرق «مش موجود»!
من جانبه، يقول مؤسس جمعية «اليازا»، الدكتور زياد عقل، لـ «اللواء» إن «هناك مشكلات عديدة وراء حوادث السير في البلاد، من بينها توقف المعاينة الميكانيكية، ما أدّى إلى تراجع صيانة المركبات بشكل كبير جدا. كما أن هناك غياباً شبه تام لقوى الأمن الداخلي في تطبيق المخالفات المرورية الجسيمة، كالقيادة عكس السير أو السرعة الزائدة».
ويشدّد على أن: «تطبيق قانون السير يتم بشكل سطحي، والتجاوزات تكاد لا تتعدّى منع الوقوف في أماكن معينة، وهذا يعني ان القانون يُفرض ضمن إطار محدود. ونعوّل على اتحادات البلديات المنتخبة حديثاً أن يكون لديها دور فعلي في تأمين السلامة المرورية».
ويكشف لـ «اللواء» أن: «لجنة الأشغال العامة والنقل في مجلس النواب كانت تتمتع بدور رقابي وجدّي في موضوع سلامة السير، وعندما ترك رئاستها محمد قباني في عام 2018، لم تتمكن اللجنة من تحقيق إنتاجية حقيقية في هذا المجال. وللأسف، هذا الدور الرقابي لا يزال غائبا عن مجلس النواب في ما يتعلق بتفعيل حماية أمن الطرق».
الدراجات النارية كارثة!
ويبيّن انه: «خلال الأشهر السبعة الأولى من العام الحالي، شهدنا ارتفاعا يزيد عن 30% في عدد ضحايا الطرقات اللبنانية، تمثل هذه النسبة الحوادث بشكل عام. كما ارتفع معدل حوادث الدراجات النارية بشكل كبير جدا. وتؤكد «اليازا» وجود نقص في الإحصائيات الدقيقة في البلاد، لكن مقارنة بالوقائع الراهنة مع العام المنصرم يظهر ارتفاع بنحو 30%».
ويضيف: «قطاع الدراجات النارية، الذي يُعدّ وسيلة نقل أساسية كما في جميع دول العالم، تحوّل في بعض الحالات إلى مصدر للمخالفات القانونية الكبيرة، لا سيما القيادة عكس السير، وعدم ارتداء الخوذة، وسير الدراجات دون أوراق أو تأمين».
ويشدّد على أن: «هذا القطاع يحتاج إلى تنظيم كامل، من الاستيراد وصولاً إلى دفتر القيادة لكل دراجة وكل ما يتعلق بها. وتسعى «اليازا» إلى تحقيق احترام متبادل بين سائقي السيارات والشاحنات وسائقي الدراجات، إذ يظلم أصحاب الدراجات في بعض الأحيان نتيجة التهور من البعض، وفي أغلب الحالات يعتقد سائق الدراجة أنه غير ملزم بالقانون، وهذا خطأ شائع».
لا رقابة ولا من يراقبون!
ويختم حديثه بالإشارة إلى أن «غياب الدولة عن الواقع الميداني والقوى الأمنية كذلك يمثل مشكلة حقيقية. ورغم قيامنا بحملات توعية، فإن تأثيرها يبقى محدودا إذا لم تلتزم قوى الأمن الداخلي والشرطة البلدية بتنفيذ قانون السير. من هنا، يُعدّ التقصير على الطرقات الأساسية مسؤولية قوى الأمن الداخلي، أما على الطرقات المحلية فهو مرتبط بالشرطة البلدية، التي غالبا لا تهتم بموضوع الدراجات وانفاذ النظام بحق سائقيها».
التصادمات بالجملة!
من جهته، يكشف الباحث في «الدولية للمعلومات»، السيد محمد شمس الدين لـ «اللواء»، أن «لبنان يشهد تحوّلات ملحوظة في عدد الحوادث المرورية والضحايا خلال السنوات الخمس الماضية. ففي عام 2021، سُجل 3132 حادثاً أودى بحياة 419 شخصاً وأصاب 3470 آخرين. ومع العام التالي، انخفض عدد الحوادث إلى 2113 حادثاً، لكن عدد الضحايا ظل مرتفعا نسبيا عند 359 قتيلاً، بينما بلغ عدد الجرحى 2366».
ويتابع: «بعدها شهد عام 2023 ارتفاعا طفيفا في الحوادث وصل إلى 2303، مع 439 قتيلاً و2726 جريحاً، ثم استقر الوضع تقريبا في 2024 عند 2365 حادثاً، مع 442 قتيلاً و2655 جريحاً. أما العام الحالي 2025، فقد أسفر حتى الآن عن 1801 حادثاً، تسبب في وفاة 297 شخصاً وإصابة 2086».
وتشير هذه الأرقام إلى اتجاه متغيّر ومقلق في أعداد الحوادث والضحايا، ما يعكس استمرار تحدّيات السلامة المرورية على طرقات لبنان، رغم انخفاض بعض الأرقام هذا العام مقارنة بالسنوات السابقة، ما يضع مسؤولية كبيرة على السلطات لتكثيف الرقابة والإجراءات الوقائية.
اصطدامات أكثر فتكاً
ويفصّل الجدول الذي تسلّمت «اللواء» نسخة منه قائلا: «نلاحظ تراجع عدد حوادث السير في السنوات الأخيرة. ففي الفترة الممتدة بين 2012 و2019، كان يتراوح عدد الحوادث بين 4200 و4800 حادث، أما الآن فقد انخفض إلى نحو 2300».
ويضيف: «المفارقة هنا تكمن في أن التراجع في عدد الحوادث لم يصاحبه انخفاض مماثل في عدد القتلى. ففي عام 2012، بلغ عدد الضحايا 595 قتيلاً من أصل 4800 حادث، بينما اليوم مع حوالي 2365 حادثاً، يسجل نحو 442 قتيلاً. هذا يعني أن الحوادث أصبحت أقل عددا لكنها أكثر دموية، ما يؤدي إلى سقوط ضحايا أكثر، وبالتالي يظل عدد القتلى في تزايد نسبي».
تعددت الأسباب والقاتل واحد!
ويوضح شمس الدين أن: «حوادث السير تنجم عن عدة أسباب، منها حالة الطرقات، وسوء الإنارة، والقيادة تحت تأثير الكحول أو المخدرات. ومع ذلك، يبدو أن تشدد القوى الأمنية في الفترة الماضية أسهم في هذا التراجع، إذ لم تتغيّر الطرقات ولا تحسّنت الإنارة، لكن الالتزام الجزئي بالقوانين من قبل الأجهزة الأمنية ربما كان السبب في تقليص عدد الحوادث».
استنادا الى ما سبق، تكشف أرقام حوادث السير في لبنان أن المشكلة تتجاوز التهور الفردي لتصبح انعكاسا لفشل الدولة والمؤسسات. فحتى مع تراجع عدد الحوادث، يبقى معدل الوفيات مرتفعا، ما يعكس ضعف الرقابة الأمنية وتقصير السلطات التشريعية والتنفيذية في تطبيق القوانين وتحسين البنية التحتية. الطرقات المهترئة والإنارة السيئة ليست السبب الوحيد؛ بل يغيب الالتزام المؤسسي بالسلامة المرورية. هذه الأزمة تكشف أن الحوادث ليست مجرد مأساة شخصية، بل مؤشر على خلل مؤسسي وسياسي طويل الأمد يستدعي إجراءات حقيقية قبل فوات الأوان.