اخبار لبنان
موقع كل يوم -ام تي في
نشر بتاريخ: ٤ حزيران ٢٠٢٥
في ظل التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي تعصف بالمؤسسات العامة، وفي مقدمتها الأجهزة الأمنية، أقر مجلس النواب القانون رقم 7 بتاريخ 22 أيار 2025، الذي أتاح لفئة من المفتشين في المديرية العامة للأمن العام، ممن شاركوا في مباراة الترقية إلى رتبة ملازم بموجب مذكرة الخدمة رقم 8/2009، حق الاستقالة بعد ترقيتهم، وذلك بصورة استثنائية ولمدة ثلاثة أشهر فقط.
هذا القانون، وإن جاء على شكل اقتراح معجل مكرر، يحمل في جوهره بعدًا إنسانيًا وعدالة وظيفية طال انتظارها. وُوجه بطعن من رئيس الجمهورية أمام المجلس الدستوري، تحت ذريعة أن مجلس النواب تجاوز صلاحياته وتدخل في عمل السلطة التنفيذية، فطرح ذلك جدلًا قانونيًا ودستوريًا يتطلب التوضيح والدفاع الصريح.
أولًا: خلفية الغبنبين عامَي 2009 و2022، صدرت قوانين عدّة عالجت أوضاع دفعات محددة من المفتشين الذين شاركوا في مباراة واحدة وتحت الظروف ذاتها، وهي: القانون رقم 67/2009 القانون رقم 116/2010 القانون رقم 1714/2022إلا أن عدداً من المفتشين تُركوا خارج هذه المعالجات، لا لسبب قانوني أو إداري مبرّر، بل نتيجة تقصير السلطة التنفيذية في استكمال تنفيذ القوانين وقرارات الترقية. ما تسبب بتمييز فاضح بين موظفين خضعوا للمسار الإداري ذاته.هذا التمييز استمر سنوات، ودفع الكثير من المفتشين إلى ترك الخدمة، بل إلى الهجرة أحيانًا، نتيجة تفاقم الأوضاع المعيشية، وغياب العدالة في التسوية، رغم مساواتهم بالزملاء المشمولين بقوانين سابقة.وهم اليوم يظلمون مرة اخرى ان كان عبر صيغة القانون الحالية التي هي بحاجة الى تعديل من خلال السماح ببقائهم في الخدمة وإن كان عبر الطعن والغاء القانون.وهنا تجدر الاشارة الى أن مجلس شورى الدولة سبق وألغى نتائج مباراة عام 2007 لمفتشي آخرين، بعد أن ثبت وجود تزوير في مجرياتها، ما يدل على وجود مخالفات ممنهجة تتطلب المعالجة الشاملة والعادلة. وبالأخص أن قرار مجلس الشورى لم يطبق في وقتها من قبل الادارة.
ثانيًا: عن القانون المطعون بهالقانون رقم 7/2025 لا يمنح ترقية مجانية، ولا يُنشئ امتيازًا، بل هو تصحيح لمسار تمييزي غير مبرر، ويُعيد التوازن إلى أوضاع مجموعة حُرمت من حقوقها، بينما استفاد نظراؤها.يُتيح هذا القانون للمفتشين حق الاستقالة بعد ترقيتهم – أي أنه لا يُنتج مفاعيل مالية أو إدارية واسعة، بل يُنهي علاقة وظيفية على نحو كريم بعد إنصاف مستحق، لفترة محددة لا تتجاوز ثلاثة أشهر.
ثالثًا:الطعن الذي قدّمه رئيس الجمهورية يستند إلى أن الترقية مسألة إدارية تنفيذية لا تقع ضمن اختصاص مجلس النواب. إلا أن هذه المقاربة تُهمل حقيقة دستورية جوهرية، وهي أن:• مجلس النواب يُمارس سلطته التشريعية لضمان العدالة والمساواة، لا لممارسة الإدارة.• تدخل المجلس أتى بعد تقاعس واضح من الإدارة عن تنفيذ قرارات أو استكمال قوانين قائمة.• القانون الحالي يُعالج وضعًا نشأ عن خلل سابق، ويُعيد إلى الدولة توازنًا مفقودًا، وليس اعتباطًا وظيفيًا.•الدستور، في مادته السابعة، يُكرّس مبدأ المساواة بين المواطنين، والمجلس الدستوري نفسه سبق وأكد أن معاملة المتساوين على نحو غير متساوٍ تُشكل خرقًا للدستور.
رابعًا: هل خُرق مبدأ فصل السلطات؟قطعًا لا، فإن ما فعله مجلس النواب هو ممارسة لصلاحية تشريعية أصيلة في سياق معالجة غبن واقع، وهو أمر تُجيزه الدساتير كافة، عندما تفشل الإدارة في تطبيق القوانين أو تُمارس التمييز.بل أكثر من ذلك، إن عدم إقرار هذا القانون كان سيُرسّخ التمييز ويُثبّت مخالفة دستورية مستمرة.
خامسًا: في أهمية البعد الإنسانيمن غير المقبول أن يتم النظر إلى القانون من زاوية تقنية بحتة، وإهمال البعد الإنساني والاجتماعي الذي شُرّع من أجله.هؤلاء المفتشون، خدموا في ظروف صعبة، وخضعوا للإجراءات نفسها، وتحمّلوا الإهمال الإداري لسنوات.أليس من حقهم، في بلد يحتضر، أن يُنصفوا بحدّ أدنى من العدالة الوظيفية؟أليس القانون أداة لتحقيق العدالة، لا مجرّد حقل اختبار للمبادئ المجردة؟
سادسًا: في الخلاصة والطلبالقانون رقم 7/2025 لا يُشكل خرقًا دستوريًا بل يُمثل تصحيحًا لمسار شابه التمييز والإهمال، وهو قانون ينتمي إلى منطق العدالة، لا إلى منطق الامتياز وهو أداة استثنائية، لظرف استثنائي، لفئة خدمت الدولة ودفعت ثمن أزماتها.
بناء عليه، فإن رد الطعن وتثبيت دستورية هذا القانون ليس فقط موقفًا قانونيًا، بل أيضًا موقفًا أخلاقيًا وإنسانيًا، يُعيد بعضًا من التوازن إلى نظام فقد الكثير من توازنه.