اخبار لبنان
موقع كل يوم -ام تي في
نشر بتاريخ: ٢٢ أيلول ٢٠٢٥
في زحمة الـ trends السريعة التي تملأ يوميّاتنا على السوشيال ميديا، ظهر واحد مختلف هذه المرّة. ترند أعادنا سنواتٍ إلى الوراء، ليس إلى خبر أو حدث، بل إلى ذكريات خاصّة جدًّا. تتصفّح مواقع التواصل الإجتماعي لتجدها مليئة بصورٍ من صنع الذكاء الاصطناعي تجمع بين صورتك الحاليّة وأخرى تعود إلى الطّفولة وكأنّك تحتضن النّسخة الصّغيرة من ذاتك.
لم يمرّ هذا الترند مرور الكرام بل لمس شيئاً عميقاً فينا جميعاً. فالصّور التي يُشاركها المُستخدمون على مواقع التواصل ليست مجرّد وجوه طفوليّة، بل تُعبّر عن أماكن، ملابس، ألعاب، وحتى تعابير وجه تُشبه لحظات لا يُمكن أن تعود، قد تكون جميلة للبعض وموجعة للبعض الآخر. هذا ما يتّفق معه الطبيب النفسي د. وائل سلامة الذي يُشير في حديثٍ لموقع mtv إلى وجود دوافع عدّة لتجربة هذا الترند: يُمكن أن يدلّ ذلك على مُعاناة دفينة من مشاكل في الطّفولة أو نقص عاطفي، فتأتي تجربة الصّور هنا لتُثبت للآخرين مقارنة بين الماضي والحاضر.. وين كنت ووين صرت.ويُضيف د. سلامة: للأسف نعيش في مجتمع حيث يبني معظم الناس أفكاراً عن أنفسهم بناءً على نظرة الآخرين إليهم. وهذا يُسمّى بنظام المكافأة الخارجي، أمّا مَن لديهم نظام مكافأة داخلي فيكونون غير مبالين بآراء الناس بهم. ويُعدّد سبباً آخر لتجربة هذا الترند واسع الإنتشار، وهو نوع من إظهار الذات، وقياس الحاضر بالماضي.
أمّا عن الآثار النفسيّة المُحتملة على الفرد، فيلفت إلى أنّها تختلف من شخصٍ إلى آخر حسب وين كان ووين صار، ونظرته إلى نفسه، فقد تكون صور طفولته أجمل بكثير ممّا هو عليه اليوم، مشدّداً على أنّ ما من مقياس عام للجميع.
في المقلب الآخر، وجد البعض في هذا الترند فرصة لهم لالتقاط صورة ولو افتراضيّة مع أب أو أمّ أو حبيب أو شقيق فارقوهم، فحلم العروس التي فقدت والدها تحقّق بصورة بالفستان الأبيض مع الغائب الأكبر، والشابة التي كبرت من دون والدتها، وجدت في الصّورة أجمل ما يُمكن لها أن تحلم به حينما عانقتها الأم وهي صبيّة... والسوشيال ميديا شاهدة على (صور) تحمل أحلاماً لم تتحقّق إلا هنا.
وقد يكون هذا الترند أكثر من مجرّد موضة عابرة، عاكساً حاجة حقيقيّة في نفوسنا. فالإنسان بطبيعته يبحث عن التواصل والمشاركة والشّعور بالانتماء، ويبحث دائماً عن هويّة لنفسه في هذا العالم. وفي الإطار نفسه، يقول د. سلامة: للأسف غالبية الناس تبني هويّتها اعتماداً على آراء الآخرين وتقيس نجاحها على مقياس يُحدّده عالم السوشيال ميديا وهذا خطأ، موضحاً: كلّ ما يجذب الناس يصبح viral ولكن هل هذا يعني أنه جيّد وناجح؟ المُشكلة تكمن في أنّ الفرد بات يبحث عن كيانه ووجوده في العالم الافتراضي وليس في الواقع.
في المُقابل، هناك مجموعة من الناس لم تبحث في صورها ولم تُفتّش في ألبومات الماضي، مُتجاهلةً الترند كليًّا. وفق د. سلامة، قد يرفض البعض مُقارنة حاضره بماضيه، أو يعتبر أنّ طفولته خاصّة به وليس لديه أيّ رغبة بإظهارها للآخرين، والبعض قد يخشى التعرّض لأحكام النّاس القاسية التي تكون سلبيّة أحياناً.
يبقى السؤال: ما هي الرّسالة التي نرغب بإرسالها من خلال هذا الترند؟ هل نُريد أن نقول إنّنا ما زلنا أطفالاً في القلب؟ أم أنّنا نبحث عن استعادة جزءٍ من حياتنا لم يلوّثه العمر والتّجارب؟مهما كانت الإجابة، بدأ هذا الترند البسيط رحلة إلى الوراء مروراً بفتح خزائن الذكريات... ولكنّ أحداً لا يعرف كيف انتهت الرّحلة في نفسِ كلّ واحدٍ منّا.