اخبار لبنان
موقع كل يوم -أي أم ليبانون
نشر بتاريخ: ١٠ شباط ٢٠٢٥
بقلم الدكتور جورج شبلي:
لن أتطرَّق الى القضايا المتعدّدة، والشّائكة، التي ينبغي أن يتضمّنها البيان الوزاري المُزمعِ عَرضُهُ أمام المجلس النيابي، والذي، على أساسه، يُفتَرَضُ أن تُمنَحَ الحكومة الثقة لتباشرَ عملَها. لكنّني سأتوقّف عندَ جملةٍ واحدةٍ تبنَّتها الحكوماتُ المتعاقبةُ منذ الانتداب السّوري، وفي حقبة الاستعمار الإيراني، وهي ' الشعب والجيش والمقاومة'، لأدعو التشكيلةَ الوزارية الوطنيّة الى قَلبِ الموازين، انتصارًا لعاملِ الكرامةِ، ولمفهوم الوطنِ ككيان، ولمشروع الدولة كسيادة، وذلك بشجاعةٍ موصوفة، فما كان الخوفُ، يومًا، سلطانًا يحكمُ الشّجعان.
هنالكَ مَنْ نصحَ باستبدال الشّعار الخشبيّ الفائت، بكلمة ' دولة '، وهذا نُصحٌ رشيد، يعبّرُ عن الانتسابِ الوجدانيّ للكبرياءِ، ولمبادئِ الحقِّ والقانون، وللثّباتِ في الموقفِ المُخلِصِ للعزّةِ الوطنيّة. ومع فائقِ تقديري لهذا النُّصح، أراني راغِبًا في استبدالِ ما نَفَرَ منه الشّعبُ، وبغالبيّتِه المطلَقة، مُمتَعِضًا من بِدعةِ المُرتَهَنين، لِما اعتراه، بسببها، من قَهرٍ، وانسحاقٍ، وحزن، ويأس، وذلّ… برَدّ الجَميلِ للشّعبِ الذي سجنَه ناكِبوه في وطنٍ مساحتُهُ شلّالُ أسلاك، ومواسمُ ألغام، بأن تتبنّى الحكومةُ شعارَ ' الشّعب، والشّعب، والشّعب'.
أنا لا أهمِّشُ، إطلاقًا، شِعارَ ' الدولة '، لكنّني، وبالرَّغمِ من الدّاعين الى مشروعِ قيامِها، قويةً مَنيعة، أستندُ الى مفهومِ الديمقراطية التي أقرَّها الدّستورُ نظامًا للدولة، والذي يُعطي الحاكميّةَ للشّعبِ الذي تستمدّ السّلطةُ، منه، شرعيّةَ وجودِها وأدائِها، ما يُؤكّدُ على أنّ السّلطةَ للشّعبِ، لا للعُروش. ولمّا لم يَعُدِ الشّعبُ مجرّدَ أرقامٍ، أو عِبادٍ، أو رعايا، يمكنُ اختزالُهم بالاستقواءِ، والتّرهيب، ويُفرَضُ عليهم السّمعُ والطّاعة، ويُتَحَكَّمُ بهم بالخوف، فقد استعادَ الشّعبُ دورَه، ومفهومَه، وفاعليّتَه، وسيادتَه، ومنزلتَه المدنيّةَ والوطنيّة، ليشكّلَ، مع النّظامِ والأرض، قِوامَ الكيان السياسي للبلاد، والمُسَمّى دولة أو جمهوريّة. وهذا يعني أنّ الدولةَ شأنٌ عامٌ، أساسُ قوّتِهِ الضّاغطةِ هو الشّعب، والشّعبُ فقط.
إنّ الدّستورَ، في لبنانَ الديمقراطي، أعطى الشّعبَ الحقَّ، والقوةَ في صناعة القرار، وسوفَ يستعيدُ الشّعبُ امتلاكَ هذا الحقّ، ليُسقِطَ مسرحيّاتِ مَلءِ صناديق الاقتراع الخادِعة، ويهدمَ الشّرعنةَ الزّائفةَ للبِدَعِ الديماغوجيّةِ التي تخفي أهدافًا هدّامةً تقوِّضُ الهويّةَ، والكيانَ، وتستبيحُ الدولةَ ومصالحَ الشّعب، وتفرضُ نفسَها ثوابتَ تنتهكُ القوانين وتُصادرُ القرارَ والحقوق… نعم، إنّ الشّعبَ يمتلكُ الإرادةَ التي تنبذُ كلَّ تَبعيّة، وتصدُّ المتسلِّلين الى الواجهةِ السياسيّة للسَّطوِ على موقعِ القرار، والسَّعيِ الى تسطيحِ فكرةِ الدولة.
إنّ شعبَنا الواعيَ والمتمسِّكَ بدولةٍ قويةٍ قادرة، لم يَعُدْ يقبلُ شعاراتٍ موسميّةً مستَهلَكة، فقد قطعَ الجُسورَ معها، ومع مُروِّجيها الذين يزعمونَ أنّهم يُمسكون بإكسيرِ الحياةِ في الوطن، وهم كرتونيّون لم يفعلوا سوى زَجِّ البلاد في جهنّمِهم. من هنا، فالشّعبُ يريد استبدالَ بِدعةِ الخشبِيّين، بثلاثيّةِ ' الشّعب، والشّعب، والشّعب '، تَوقًا الى وطنٍ حرّ، نابضٍ بثقافةِ الحياة، لا تُحبَطُ فيه أحلامُ أجيالِه، وتَنبتُ في أرضِه أرزةٌ ما تعوَّدَت أن تنحنيَ، مهما قسا عليها التّراب.