اخبار لبنان
موقع كل يوم -جريدة اللواء
نشر بتاريخ: ٣ تموز ٢٠٢٥
هاكم جملة اخترتها من بين مثيلاتها، الراتعة في أمان ورغد، في نص من نصوص أديب من أدباء هذا الزمان وقد كُرِّم غير مرة على انه «قطب في مملكة القلم». دبَّ فيها الوهن، أفضى بها إلى الهلهلة، أي الاسفاف أي الركاكة، أي سقط المتاع. والجملة المنكوبة هذه هي:
«ما كنّا نرى بعضنا، إلّا لماماً، على كوننا زوجين، فكنت لما أعود مساء من عملي إلى البيت تغادره أنت إلى عملك».
إنها جملة لا تمتاز من العامية، إلّا بكونها توشَّحت بالفصحى، ويا تعس هذه الفصحى، لما اعتورها من هنات فاضحة. ان الأداة «لما» المسمّاة «الحينية»، لا توضَع إلّا أمام الفعل الماضي، وأما الأداة «لما» الجازمة، فتوضَع أمام المضارع، إذا شئت جزمه، وتحويله إلى الماضي.
وعوض: «ما كنّا نرى بعضنا»، قل: «ما كنّا نتناظر». هلمَّ أيها القطب بجملتك، اصعد بها، إلى مراقي الانشاء الصحيح العالي، إلى الكتابة الفنية، إلى سحر البيان، وألق الايجاز، وإلى قوى الاعجاز، وتخلَّ عن التفسير وعن الوضوح الزائد، الذي يقضي على كل أثر للغموض، هذا الغموض الموحي، الذي هو، لو تدري، وضوح على طريقة سميا. واعلم ان كل جملة تتوضّح، تفقد، فنيّا، ثلاثة أرباع شاعريتها، قل، على الأقل، ما هو صواب (ولو مُبَسَّطاً!) أي «ما كان أحدُنا يرى الآخرَ»..
ألا استبدل أيها الأستاذ جملتك السقيمة بهذه التالية «تعاكسنا إلى العمل ومنه». وأفضل هذه قل: «تعاكسنا ذهاباً إلى العمل». لأنّه إذا كان الذهاب معاكساً، فالإياب، هو أيضاً معاكس. فليبقَ في عالم الاضمار.
أستاذ في المعهد العربي للدكتوراه