اخبار لبنان
موقع كل يوم -ام تي في
نشر بتاريخ: ١٦ أب ٢٠٢٥
قمة ترامب – بوتين في ألاسكا لم تكن مجرد لقاء بروتوكولي، بل لحظة فارقة في اختبار موازين القوى العالمية وسط حرب أوكرانيا وتوترات الشرق الأوسط.
ففي قاعدة Joint Base Elmendorf-Richardson في أنكوريج، أقرب نقطة أميركية إلى روسيا عبر القطب الشمالي، اجتمع الرئيسان وجهاً لوجه لأول مرة منذ عام 2019، في مشهد جمع الرمزية الجغرافية بوزن الملفات الثقيلة.
اختيار ألاسكا لم يكن محض صدفة؛ فهي بوابة أميركا على القطب الشمالي ومسرح تنافس استراتيجي على الممرات البحرية والموارد، ومنصة لإرسال رسائل سياسية مدروسة.
بالنسبة لترامب، كان اللقاء على أرض أميركية فرصة للتحكم في المشهد وإظهار الحزم، بينما بالنسبة لبوتين، كان بمثابة كسر لعزلة دبلوماسية واستعادة صورة روسيا كقوة لا يمكن تجاوزها.
الملفات المطروحة عكست عمق الخلاف وتشابك المصالح: هدنة محتملة في أوكرانيا قابلة للمراقبة الميدانية مقابل تخفيف جزئي للعقوبات ووقف توسع الناتو، تبادل 84 أسيراً من كل جانب كبادرة حسن نية، بحث مشاريع تعاون في القطب الشمالي بمجالات الطاقة والنقل البحري، وإحياء مسار الحد من التسلح وضبط التوتر في الفضاء السيبراني. لكن خلف هذه العناوين، تجري حسابات أوسع؛ فأي اختراق في أوكرانيا قد يحرر موارد وضغوطاً تسمح لواشنطن بإعادة توجيه أولوياتها نحو الشرق الأوسط، خصوصاً ملفات الغاز وأمن إسرائيل ودعم الحلفاء العرب، فيما قد تستغل موسكو أي تهدئة لتعزيز وجودها العسكري والاقتصادي في المتوسط وسوريا وملفات الطاقة الإقليمية لتعويض خسائرها الأوروبية.
لبنان، بحكم موقعه وسط هذه التوازنات، ليس بعيداً عن تداعيات القمة؛ فنجاح التهدئة قد يمنحه زخماً في دعم الجيش وتسريع ترسيم الحدود البحرية، بينما الفشل قد يعيد شبح المواجهة غير المباشرة إلى ساحات الشرق الأوسط، مع ضغوط سياسية واقتصادية وأمنية إضافية. أما البعد الاقتصادي العالمي، فحاضر بقوة؛ إذ يمكن لأي اتفاق أن ينعكس فوراً على أسعار النفط والغاز واستقرار سلاسل الإمداد عبر الممرات القطبية، في حين أن فشل القمة قد يشعل موجة جديدة من تقلبات الأسواق. أوروبا تراقب اللقاء كاختبار لأمنها الطاقوي، فيما تتابع الصين بصمت، مستعدة لاقتناص أي فرصة لتعزيز دورها كوسيط سياسي ومستثمر رئيسي في مرحلة ما بعد الحرب.
الرسائل العلنية بين ترامب وبوتين حملت توازناً بين الصرامة والانفتاح؛ ترامب أكد أن بوتين لن يتلاعب بهذه الجولة، وطرح فكرة قمة ثلاثية لاحقة تضم أوكرانيا، بينما وصف بوتين الموقف الأميركي بأنه جهد صادق لإنهاء الحرب، رغم استمرار تقدم قواته على الأرض. ومع ذلك، حذر دبلوماسيون روس سابقون من أن مجرد انعقاد القمة يمنح موسكو شرعية دولية دون تقديم تنازلات حقيقية. السيناريوهات المحتملة تتراوح بين اختراق منظم يشمل وقف نار جزئي وتفاهمات إنسانية وآلية متابعة زمنية، وبين تقدم تكتيكي محدود يقتصر على تهدئة جبهات معينة دون اتفاق شامل، أو فشل كامل يؤدي إلى تشديد العقوبات وتصعيد ميداني.
في النهاية، قمة ألاسكا ليست مجرد اجتماع على أرض جليدية، بل فصل جديد من لعبة الشطرنج الدولية، حيث تتحرك القطع على جبهات متباعدة لكنها مترابطة. وما يُحسم في أنكوريج قد يذيب أو يجمّد فرص الاستقرار في شرق المتوسط، وقد تبدو المسافة بين ألاسكا وبيروت بعيدة، لكن في عالم السياسة تكفي صفقة خلف الأبواب المغلقة لربط مصير المدينتين.