اخبار لبنان
موقع كل يوم -المرده
نشر بتاريخ: ٩ أيار ٢٠٢٥
كتب محمد شمس الدين في 'لبنان الكبير'
لم يكن صباح النبطية عادياً. كانت المدينة على موعد مع لهب الذاكرة، من شبح حرب 2024 التي لا تزال ندوبها طرية. 14 غارة إسرائيلية متتالية، نُفّذت على دفعتين، طوّقت المدينة بزنار نار، وبدّدت ما تبقى من وهم “التهدئة”.
لكن ما جعل هذا التصعيد مختلفاً، ليس كثافته وحسب، بل نوعيته: قنابل خارقة للتحصينات، السلاح ذاته الذي استخدمته إسرائيل في عمليتي اغتيال الأمينين العامين لـ “حزب الله” حسن نصر الله وهاشم صفي الدين.
وفيما تحدّثت إسرائيل عن “تدمير أنفاق استراتيجية”، كان التوقيت لافتاً. فجبهة الجنوب تشتعل بالتزامن مع مؤشرات أميركية – إيرانية إيجابية حول احتمال التوصل إلى اتفاق يعيد طهران إلى المشهد الاقتصادي والديبلوماسي الدولي. تل أبيب تقرأ هذه المؤشرات كتهديد مضاعف: إيران تتقدّم، والمفاوضات تجري، وإسرائيل تُستبعد.
ولهذا، جاء الرد بالنار. لا كردّ على صاروخ حوثي فقط، بل كاستباق لما تعتبره صفقة على حسابها. وزير الدفاع يسرائيل كاتس لم يوارب حين قال إن إسرائيل “ستفعل بطهران ما فعلته بحماس وحزب الله”، ملوّحاً بتوسيع المواجهة إلى رأس المحور لا إلى أذرعه فقط.
وفي هذا المشهد المتداخل، يقف “حزب الله” عند تقاطع حرج. فبحسب مصادر مطلعة، لم يعد الحزب اليوم كما كان قبل عقد. دوره الاقليمي انتهى أو يكاد، وهو نفسه يعترف بذلك ضمنياً في أدبياته الأخيرة. لم يعد لاعباً عابراً للحدود كما في الساحات السورية والعراقية واليمنية، بل عاد – أو أُعيد – إلى مربع “المقاومة المحلية”.
لكن انتهاء الدور الاقليمي لا يعني غياباً عن الساحة. فـ”المقاومة” كما تقول أوساطه، ليست حزباً بل عقيدة ورد فعل على الاحتلال، وإذا ما فشلت الديبلوماسية في ردع إسرائيل، “سيُخلق ما يردعها” – سواء بعودة الحزب نفسه بنهج مختلف، أو عبر ولادة أطراف جديدة أكثر جذرية من قلب تجربته.
ولبنان في المقابل يقف على الحد الفاصل بين العجز والغضب. الحكومة تدين، والرئاسة تتابع، لكن الردع الحقيقي غائب. إسرائيل، في المقابل، تحاول فرض أمر واقع، وتستخدم الجنوب كمختبر ضغط لفرض تسريع تنفيذ القرار 1701، ونزع سلاح الحزب من دون تفاهم أو تسوية.
إنها مواجهة لا تنفجر بالكامل… لكنها لا تنطفئ. “حزب الله” يصبر… ولكن! فهل يكون هذا الصبر استراتيجياً أم تمهيد لرد من نوع جديد، لا يعيد عقارب الساعة إلى الوراء، بل يُعيد رسم دور الحزب داخل لبنان وحدوده؟
في زمن تتقاطع فيه المفاوضات النووية مع القنابل الخارقة، يبدو الجنوب مرة أخرى رقعة اختبار لحدود الصمت وحدود النار.