اخبار لبنان
موقع كل يوم -جريدة اللواء
نشر بتاريخ: ٣١ تموز ٢٠٢٥
نوال أبو حيدر
في ظل الأزمة الاقتصادية والمالية الحادّة التي تمرُّ بها البلاد، برزت الحاجة الملحّة إلى إصلاح قطاع المصارف كأحد الركائز الأساسية لاستعادة الثقة وضمان الاستقرار المالي. مشروع قانون إعادة هيكلة المصارف الذي يشغل بال السلطات والجهات الرقابية، يأتي في هذا السياق ليحاول معالجة الاختلالات التي عصفت بهذا القطاع الحيوي، متجاوزاً العقبات السياسية والإدارية التي لطالما أعاقت إنجاز خطوات جادّة في هذا الاتجاه.
التوافق الجديد بين الحكومة ومصرف لبنان حول آلية إدارة عملية إعادة الهيكلة، وما ترتب عليه من تسهيل لاستمرار دراسة المشروع داخل لجان البرلمان، يشكّل نقطة تحوّل مفصلية تُبشّر بخطوات أكثر جدّية وواقعية تجاه إصلاح المصارف. لكن رغم هذه الخطوة الإيجابية، يبقى التساؤل الأهم: هل يمكن للصيغة الجديدة المتفق عليها بين الحكومة ومصرف لبنان أن تحقق إعادة هيكلة عادلة وشفافة للمصارف، تعيد الثقة إلى القطاع وتضمن حماية المودعين، أم أنها ستظل عرضة للضغوط السياسية والمصالح الخاصة التي قد تعيق الإصلاح الحقيقي وتزيد من هشاشة الاقتصاد الوطني؟
حماية المودعين أساس الإصلاح
في حديث لـ «اللواء»، يؤكد رئيس لجنة المال والموازنة النيابية النائب إبراهيم كنعان، أن «هدفنا كان ولا يزال عدم المساس بأموال المودعين أو تحميلهم وحدهم كلفة الانهيار المالي الذي أصاب البلاد. ولذلك، رأت لجنة المال والموازنة أن أي خطوة جديّة باتجاه إصلاح القطاع المصرفي يجب أن تترافق بشكل واضح ومتزامن مع قانون يضمن استرداد الودائع. فإصلاح المصارف لا يمكن أن يكون على حساب الناس الذين وضعوا ثقتهم بالنظام المالي، بل يجب أن يُبنى على قاعدة إنصافهم أولاً، من خلال تحديد المسؤوليات عن الخسائر التي وقعت، وضمان حقوقهم ضمن خارطة الحل. ومن هنا، تم ربط تنفيذ قانون إعادة هيكلة المصارف بإقرار قانون استرداد الودائع، ليُصبح المودع في صلب عملية الإصلاح، لا ضحيته».
الانتظام المالي لتحديد المسؤوليات واستعادة الثقة
ويتابع كنعان: «الحكومة مطالبة بقانون الانتظام المالي كأساس لتحديد المسؤوليات ومعالجة الودائع والمحاسبة، وهو ما طالبنا به منذ سنوات، منذ بداية الأزمة، وخلال نقاشنا قانون إصلاح المصارف أصدرنا توصية بخصوصه في ٧ أيار ٢٠٢٥، لأن استعادة الثقة المحلية والدولية تتطلب تحديد المسؤوليات بين الدولة ومصرف لبنان والمصارف عن الانهيار الذي وصلنا إليه، فالدولة تتحمّل مسؤولية مواطنيها ورعاية شؤونهم، والمصارف تقع عليها مسؤولية حماية أموال المودعين والحفاظ على ودائعهم، أما مصرف لبنان، فيُعتبر مسؤولاً عن الأموال التي تم استثمارها أو أُودِعت في حساباته واستخدمها في سياساته المالية».
هيكلة الهيئة المصرفية لمواجهة الأزمة
أما عن أبرز نقاط المشروع، يشرح كنعان أن «مشروع قانون إصلاح المصارف نص بالتعديلات التي قامت بها لجنة المال على استقلالية الهيئة المصرفية العليا عن السلطة السياسية والمصارف، وقد توافق النواب مع وزارة المال وحاكم مصرف لبنان كريم سعيد على أن تتألّف الهيئة من غرفتين، واحدة للأمور العقابية العادية الموجودة في قانون النقد والتسليف، بينما الغرفة الثانية استثنائية لمعالجة الأزمة النظامية الشاملة التي وقع بها لبنان بها منذ العام 2019».
وعليه، يوضح أن «الهيئة المصرفية العليا تتألف من حاكم مصرف لبنان وأحد نوابه، وقاضٍ يقترحه مجلس القضاء الأعلى، وخبير متخصص بالشؤون المالية، وحضور رئيس لجنة الرقابة على المصارف ليطلع الهيئة على الملفات التي كوّنها عن المصارف، من دون أن يدخل وجوده بالنصاب أو أن يصوّت، لأنه الجهة المدعية في الملف، على أن يعود القرار اللهيئة المصرفية العليا بعد الاستماع إليه».
إجراءات عقابية غير مسبوقة!
أما على صعيد الإجراءات العقابية، فيشدّد كنعان على أن «الإجراءات العقابية التي تم اعتمادها في إطار مشروع قانون إصلاح المصارف تُعدّ غير مسبوقة من حيث الحزم والصرامة. فقد تم تحديد مسؤولية واضحة ومباشرة على كبار المساهمين في المصارف، بالإضافة إلى الإدارة العليا، ومفوضي الرقابة، والمدراء التنفيذيين، في حال الاشتباه بوجود أي مخالفات أو تعثّر مالي يُعتبر غير مقبول أو ناتج عن سوء إدارة أو إهمال جسيم. هذه الإجراءات تأتي في سياق تعزيز مبدأ المحاسبة ومكافحة الإفلات من العقاب، لضمان ألا يتكرر الانهيار المالي نتيجة أخطاء أو تجاوزات نفس الفئة من المسؤولين الذين كان لهم دور في الأزمة الحالية».
تمثيل فعّال للمودعين؟!
ويختم كنعان حديثه بالتأكيد على «خطوة مهمة قامت بها اللجنة، حيث أخرجت المودعين من خانة الدائنين العاديين، ومنحتهم وضعاً خاصاً ومتميّزاً يضمن لهم حماية أكبر خلال عملية تصفية المصارف المتعثرة. فبدلاً من أن يُعامَلوا كغيرهم من الدائنين الذين قد ينتظرون لفترات طويلة لاسترداد أموالهم أو قد يتكبّدون خسائر كبيرة، أصبح للمودعين دور مباشر وفعّال في لجان التصفية التي تضم إلى جانبهم الدائنين الآخرين، والمساهمين، إضافة إلى هيئة ضمان الودائع. هذا التمثيل المتكامل يعكس الاعتراف بأهمية حقوق المودعين وضرورة صونها كأولوية قصوى في أي إجراءات مالية وقانونية تستهدف إعادة هيكلة القطاع المصرفي، مما يساهم في تعزيز ثقتهم واستقرار النظام المالي بشكل عام».
في المحصلة، إن مشروع قانون إعادة هيكلة المصارف، كما خرج من لجنة المال والموازنة، يشكّل خطوة نوعية في مسار طويل ومعقّد نحو تصحيح الخلل البنيوي في النظام المصرفي اللبناني. فعلى الرغم من التحديات السياسية والتقنية، تبرز في هذا المشروع إشارات واضحة إلى نيّة الإصلاح الجديّ، بدءاً من تعزيز استقلالية الهيئة المصرفية العليا، مروراً بمساءلة المسؤولين الحقيقيين عن الانهيار، وصولاً إلى منح المودعين وضعاً قانونياً مميّزاً يحفظ حقوقهم. غير أن نجاح هذا المسار سيظل رهناً بمدى التزام مختلف الأطراف بتنفيذ الإصلاحات بعيداً عن الضغوط والمصالح الضيقة، لأن استعادة الثقة بالقطاع المالي والاقتصاد ككل لن تتحقق إلا بإجراءات شجاعة وشفافة تُعيد الاعتبار للعدالة وتكرّس مبدأ المحاسبة.