اخبار لبنان
موقع كل يوم -المرده
نشر بتاريخ: ٦ تشرين الثاني ٢٠٢٥
كتب ابراهيم ناصرالدين في 'الديار':
اصرار رئيس الجمهورية جوزاف عون، على تبني استراتيجية التفاوض مع 'اسرائيل'، ومنحها بعدا وطنيا، عبر تأكيده انه امر متفق عليه مع رئيسي المجلس النيابي نبيه بري والحكومة نواف سلام، يهدف الى سحب الذرائع من حكومة الاحتلال، التي تهول بالتصعيد الميداني. وهو يريد استدراج الولايات المتحدة الى الضغط على العدو لإجباره على القبول، اولا بمبدأ التفاوض، ثم يجري البحث عن الشكل والمضمون.
لكن المسألة تتجاوز 'الرسائل' الخارجية الى البعد الداخلي، حيث يحاول خلق بيئة حاضنة للفكرة عبر تكرار الترويج لها، وقد نجح حتى الآن في عدم اثارة ريبة حزب الله والبيئة الشيعية. اقله هذا ما يستشف من ردة فعل مسؤولي الحزب، الذين يتجنبون مقاربة هذا الملف بسلبية، بل يمكن القول انهم اقرب الى الموقف الحيادي حتى الآن، وهو هدوء يشبه تعامل الحزب مع ارتفاع منسوب التهديدات الاسرائيلية بتصعيد منسوب الحرب.
ووفق مصادر مطلعة على موقف حزب الله، لا شيء يدعو للاستعجال حتى الآن لفتح نقاش حول مسألة التفاوض بغياب موافقة الطرف الآخر، اميركا و'اسرائيل'. بالمبدأ ثمة ادراك واضح بوجود نيات طيبة وغير خبيثة لدى رئيس الجمهورية جوزاف عون، الذي يريد ان يحقق خرقا يخرج البلاد من دوامة القتل اليومي الذي يمارسه جيش الاحتلال، ويريد ابعاد لبنان عن دائرة النار. لكن هل الطرف الآخر لديه نيات طيبة؟ وهل ترغب واشنطن في تهيئة المناخات الايجابية للبدء بمسار تفاوضي جدي؟ علما ان الادارة السابقة حين ارادت الوصول الى اتفاق حول ترسيم الحدود البحرية تبنت التفاوض المكوكي اسلوبا، حينها تولى عاموس هوكشتاين نقل الافكار بين الطرف اللبناني والعدو الاسرائيلي، وابصر الاتفاق النور.
هذا النموذج التفاوضي، نال مواقفة حزب الله حينها، الذي لم يعارض ايضا مشاركة خبراء مدنيين وتقنيين في عملية التفاوض غير المباشرة في الناقورة، واليوم لن يتغير شيئا، اذا كانت مفاوضات مماثلة قادرة على تحقيق مكتسبات حقيقية للبنان، الذي يتمسك باتفاق وقف الاعمال العدائية، ويلتزم بمندرجاته. ولان الحزب صاحب باع طويل في عمليات التفاوض مع العدو، فهو يضع على 'الطاولة' مجموعة افكار للنقاش حين يحين الوقت المناسب، ومنها انه يجب ان يسبق اي عملية تفاوضية الزام 'اسرائيل' بالاتفاق القائم، وقف الاعتداءات اليومية، اطلاق سراح الاسرى، والانسحاب من الاراضي اللبنانية، لان هذه البنود جرى التفاوض عليها، ولا يجب ان تكون مادة للنقاش، ولا يجب منح الاسرائيليين 'اوراق' تفاوضية مجانية، وكأن المطلوب ان يدفع لبنان ثمنها مرتين. في المقابل، يجب ابلاغ الاميركيين مسبقا حدود السقف الذي يمكن ان تتنهي اليه تلك الاتفاقات المفترضة: لا سلام ولا تطبيع، بل اتفاقات امنية تعالج 'الهواجس' المتبادلة!
عند تلك الحدود التفاوضية، لا يفترض ان تهتز العلاقة مع بعبدا، لكن المشكلة تبقى في غياب الرغبة لدى الطرف الآخر المصر على فرض شروط استسلامية، والى ان ينتزع الرئيس موقفا اميركيا على طروحاته، لاجبار 'اسرائيل' على الدخول في عملية تفاوضية جدية، لن يقارب حزب الله الملف على نحو رسمي ومفصل، وسيكرر مواقفه الداعية الى عدم التنازل عن الثوابت السيادة اللبنانية.
وفي هذا السياق، تلفت اوساط مطلعة، الى ان المبعوث الاميركي توم براك قدم اقتراحاً قبل أسبوعين، بان تقوم 'اسرائيل' بوقف هجماتها في لبنان لمدة شهرين، وتجرى خلال ذلك مفاوضات كثيفة بشأن انسحاب تدريجي من المواقع الخمسة التي تسيطر عليها، على ان تبدأ مفاوضات حول ترسيم الحدود البرية، وإعادة الاسرى، وتحدد لاحقا منطقة منزوعة السلاح في جنوب لبنان، بعد استكمال نزع سلاح حزب الله. لكن 'إسرائيل' رفضت هذا الاقتراح بشكل حازم، ولا تظهر حتى الآن أي جهود أميركية لاجبارها على ذلك.
ووفق صحيفة 'هآرتس'، تتمسك حكومة نتانياهو بضرورة ان تثبت الحكومة اللبنانية اولا انها قادرة على نزع سلاح حزب الله على نحو كامل، اي ان تبدأ باجراءات عملية شمال الليطاني (الصدام بين المقاومة والجيش)، وبعد ذلك يمكن مناقشة الانسحاب ووقف الهجمات. ولهذا لا تبدو واشنطن واثقة تماماً من أن 'إسرائيل' معنية بالدفع قدماً الآن بمفاوضات مع حكومة لبنان.
وفي الانتظار، وامام وضوح الموقف اللبناني، الذي يتناقض مع الطروحات الاسرائيلية، تبقى المشكلة في ميوعة الموقف الاميركي، فبأسلوبه 'المتغطرس' اطلق توم براك عدة تصريحات أثارت موجة من التساؤلات، حول حقيقة ما تريده إدارة ترامب في لبنان. وبعد ان عبّر عن إحباط الإدارة الأميركية و'إسرائيل' من الوتيرة البطيئة لنزع سلاح حزب الله، كرر تهديداته انه ليس للبنان وقت ليضيعه، فعليه أن يسارع إلى تفكيك سلاح حزب الله.
وبعد ذلك بساعات، وفي مقابلة مع موقع اعلامي خليجي ، فاجأ براك من يجري المقابلة معه عندما قال 'ان فكرة نزع سلاح حزب الله بالقوة غير واقعية، لا يمكنك الطلب من لبنان نزع سلاح أحد الأحزاب السياسية ثم تتوقع سلاماً. ما علينا أن نسأله لأنفسنا هو: كيف نمنع هذا التنظيم من استخدام سلاحه'؟!.
وامام هذه الضبابية، يراقب حزب الله المشهد من بعيد، لا يستعجل فتح نقاش داخلي حول عملية التفاوض، التي لا تزال مجرد طروحات غير ملموسة، ويستعد الحزب للاسوأ ميدانيا. علما انه لا يعتبر توسع الحرب امرا حتميا، لكنه لن 'يلدغ من جحر المفاجآت مرتين'، يعمل في 'الظل'، لكنه لا يخلق مناخات متوترة في بيئته.
في المقابل، لا يزال الرهان لدى بعبدا على موقف اميركي يبعد 'الكأس المرة' عن لبنان، وفق نموذج فرض اتفاق غزة، حيث يجري العمل على وقف الهجمات الاسرائيلية، والذهاب الى تفاوض، مقابل تحديد مفهوم جديد لـ 'حصرية السلاح'، من خلال تبني استراتيجية منع حزب الله من استخدام سلاحه، وليس بالتحديد تجريده من سلاحه، وهو اقتراح سبق وألمح اليه براك؟!











































































