اخبار لبنان
موقع كل يوم -المرده
نشر بتاريخ: ٣ حزيران ٢٠٢٥
كتب كونستان ميهو وإيفان نيتشيبورينكو ونتاليا فاسيلييفا في 'الجمهورية':
اجتمعت روسيا وأوكرانيا في اسطنبول، أمس، لإجراء محادثات سلام، بعد يوم واحد من تبادلهما بعضاً من أعنف الهجمات الجوية في الحرب، لكنّ المناقشات لم تُسفر إلّا عن نتائج ضئيلة، باستثناء التوصّل إلى اتفاق لتبادل الأسرى وجُثَث الجنود القتلى.
كان من المتوقع أن تناقش روسيا وأوكرانيا شروطهما الخاصة للتوصّل إلى اتفاق سلام، أو على الأقل وقف إطلاق النار، في الجولة الثانية من المفاوضات منذ استئناف الجانبَين للحوار المباشر قبل أسبوعَين.
لكن بينما أرسلت كييف شروطها للسلام إلى موسكو قبل الاجتماع، لم تقم روسيا بالمثل وقدّمت شروطها أمس، بحسب ما أفاد مسؤولون من البلدَين. وردّ الوفد الأوكراني بأنّه سيحتاج إلى أسبوع لمراجعة المقترح الروسي، ممّا أدّى إلى تأجيل النقاشات الإضافية.
وكشف سيرهي كيسليتسيا، نائب وزير الخارجية الأوكراني، للصحافيِّين بعد المحادثات، التي لم تدم أكثر من 90 دقيقة، وأُجريت في فندق تاريخي على الجانب الأوروبي من البوسفور: «لم نتمكّن من الردّ على المقترحات الروسية بسرعة».
وكانت النتيجة الملموسة الوحيدة من المحادثات، التوصّل إلى اتفاق لتبادل جميع أسرى الحرب المصابين بجروح خطيرة والمرضى، وكذلك أولئك الذين تقلّ أعمارهم عن 25 عاماً. ولم يُعرَف العدد الإجمالي لهؤلاء الأسرى. كما أعلن الجانبان عن اتفاق لتبادل جثث 6000 جندي قتيل من كل طرف.
وكما في الاجتماع السابق في اسطنبول، بدا أنّ المفاوضات الجوهرية نحو اتفاق سلام قد أُجِّلت، نتيجة للمواقف المتصلّبة للطرفَين وتغيّر الوضع في ساحة المعركة. وأوضح وزير الدفاع الأوكراني، روستيم أوميروف، الذي ترأس وفد بلاده، أنّه يأمل في عقد اجتماع جديد قبل نهاية شهر حزيران، لكنّه أوضح أيضاً أنّ أوكرانيا تعتقد أنّ التقدّم نحو تسوية سلمية يتطلّب اجتماعاً بين رئيسَي البلدَين.
وأضاف: «نعتقد أنّ استمرار عمل الوفود منطقي فقط إذا كان موجّهاً نحو التحضير لاجتماع القادة». فيما رفض الكرملين مراراً وتكراراً فكرة عقد اجتماع بين الرئيسَين الروسي فلاديمير بوتين والأوكراني فولوديمير زيلينسكي.
ولم يُصرّح فلاديمير ميدينسكي، رئيس الوفد الروسي، عمّا إذا كان الروس سيعودون لجولة جديدة من المحادثات. فبينما رفضت روسيا فكرة الهدنة أثناء التفاوض على تسوية طويلة الأمد، أوضح ميدينسكي أنّ روسيا عرضت الآن وقف إطلاق نار جزئي «في أجزاء مختلفة من خط المواجهة» لمدة «يومَين أو 3» لمساعدة الطرفَين على انتشال الجثث.
ضغط أميركي
تجري المحادثات بين موسكو وكييف تحت ضغط من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي يتناوب بين الإقناع والتوبيخ لقادة البلدَين. لكنّ روسيا وأوكرانيا ظلّتا متمسّكتَين بمواقفهما، ومن غير المتوقع أن يقدّم أي منهما شروطاً مقبولة للطرف الآخر.
جبهة جديدة
وبينما تتعثر المفاوضات، اشتدّت الهجمات في ساحة المعركة. ويبدو أنّ الجيش الروسي أطلق هجوماً جديداً، متقدّماً بأسرع وتيرة منذ خريف العام الماضي، وفتح جبهة جديدة في منطقة سومي شمال شرقي أوكرانيا. وقصف المدن الأوكرانية بأكبر الهجمات بالطائرات المسيّرة والصواريخ منذ بداية الحرب، بما في ذلك وابل من 500 طائرة مسيّرة ووسائل تمويه يوم الأحد.
من جهتها، تكيّفت أوكرانيا وتطوّرت في مواجهة جيش أكبر بكثير حجماً وموارد، إذ شنّت طائراتها المسيّرة، في هجوم منسّق وطموح (يبدو أنّه أُطلِق من داخل روسيا) ضربات على قواعد جوية داخل عمق الأراضي الروسية نهاية الأسبوع.
وأظهر مقطع (فيديو) تحقّق منه فريق صحيفة «ذا تايمز»، أنّ الهجوم ألحق أضراراً أو دمّر بعض القاذفات بعيدة المدى التي استخدمتها روسيا لإطلاق صواريخ على أوكرانيا، فوُصِف ذلك اليوم بأنّه «يوم أسود للطيران الروسي بعيد المدى»، من قِبل مدوِّن عسكري روسي بارز موالٍ للكرملين. وأعلنت موسكو أنّ عدداً من الطائرات تضرّرت، لكنّ مدى الضرر الكامل لم يُقيَّم بَعد.
في الأسابيع الأخيرة، شابت محادثات السلام الكثير من المسرحيات السياسية. وحاول الطرفان فرض وتيرة وشروط الحوار من دون إثارة غضب البيت الأبيض، الذي هدّد بالانسحاب من المفاوضات الرامية إلى إنهاء الحرب.
واتهم الرئيس ترامب كلا الطرفَين بالتعنُّت، في محاولة للضغط عليهما للدخول في مفاوضات. والأسبوع الماضي، بعد هجوم روسي على كييف، هاجم ترامب بوتين، واصفاً إياه على وسائل التواصل الاجتماعي بأنّه «فَقدَ صوابه تماماً»، مؤكّداً أنّه يدرس فرض عقوبات إضافية على موسكو، لكنّه لم يتخذ أي إجراء حتى الآن.
خلال الجولة الأولى من المحادثات، التقى كبار المسؤولين الأميركيِّين بالأوكرانيِّين والرّوس بشكل منفصل، لكنّهم تركوا لتركيا مهمّة التوسط في المحادثات المباشرة، ممّا أدّى إلى جولة ديبلوماسية معقّدة.
تبادل أطفال أسرى
بعد ذلك، اتهم الأوكرانيّون الرّوس بإطلاق تهديدات واستفزازات عبر تصريحاتهم بأنّهم مستعدّون للقتال لسنوات ولغزو المزيد من المناطق الأوكرانية. وأظهر الوفد الروسي ثقةً بالنفس، قائلاً إنّه «راضٍ عن نتائج» المحادثات، التي وصفها بأنّها «نُظِّمت بمبادرة من الرئيس الروسي».
في الأيام الأخيرة، خفّف الرئيس زيلينسكي من التوقعات بشأن جولة النقاش الجديدة، مؤكّداً أول أمس، أنّ وفداً أوكرانياً سيسافر إلى اسطنبول.
وأعلن، في تصريحات له من ليتوانيا قبَيل اجتماع لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، أنّ وفد كييف «مستعد لاتخاذ الخطوات اللازمة للسلام» مع روسيا، وأنّ هذه الخطوات يجب أن تبدأ بـ»وقف لإطلاق النار وإجراءات إنسانية، مثل إطلاق سراح الأسرى وعودة الأطفال المختطفين».
وأعلنت أوكرانيا أنّها قدّمت، أمس، قائمة بالأطفال الأوكرانيِّين الذين اختطفتهم روسيا من الأراضي المحتلة. وأصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكّرات توقيف بحق بوتين والمفوّض الروسي لحقوق الطفل، استناداً إلى تلك الاختطافات.
وأعلن ميدينسكي، مستشار بوتين، أنّ روسيا ستدرس القائمة، مؤكّداً أنّه «لم يُخطَف أي طفل» بل «أُنقِذ العديد من الأطفال الأوكرانيِّين من منطقة حرب»، مضيفاً أنّ القائمة تضمّ 339 اسماً.
وما زال الهدف الرئيسي لأوكرانيا في المفاوضات التوصّل إلى وقف إطلاق النار أولاً، قبل الانتقال إلى التفاوض على اتفاق سلام أوسع. وكشف مسؤول أوكراني رفيع المستوى، طلب عدم ذكر اسمه لمناقشة مفاوضات حساسة، أنّ مقترحات أوكرانيا تشمل وقف إطلاق النار براً وبحراً وجواً، على أن يُراقب من قِبل شركاء دوليِّين.
وأشارت روسيا إلى أنّها غير مهتمة بهدنة موقتة، بل تسعى إلى حل «الأسباب الجذرية» للحرب، وهي عبارة في قاموس الكرملين تشير إلى مطالب واسعة النطاق، مثل تعهّد رسمي بعدم توسيع الـ»ناتو» شرقاً، الاعتراف بالمكاسب الإقليمية الروسية، تقليص حجم الجيش الأوكراني، وغيرها من الشروط التي رفضتها كييف رفضاً قاطعاً.