اخبار لبنان
موقع كل يوم -جريدة الأنباء
نشر بتاريخ: ٢٩ تشرين الأول ٢٠٢٥
بيروت ـ أحمد منصور
تعتبر بلدة البرجين في إقليم الخروب (قضاء الشوف)، المصدر الأساسي لصناعة دبس الخروب، والمعروف بـ «العسل الأسود»، والذي ارتبط ارتباطا وثيقا مع اسم البلدة، وبات مصدر رزق للعديد من العائلات، حيث تتميز البرجين ومنذ زمن بعيد، بوجود معاصر الخروب، الذي يستخرج منه الدبس، ويتم تسويقه في السوق المحلي، إضافة إلى تصديره إلى الخارج.
هذه الصناعة المتميزة والمقترنة بإقليم الخروب، شكلت علامة فارقة وإرثا تراثيا تتناقله الأجيال للحفاظ على تراث الآباء والأجداد، وتعزيزا لاستمرار هذا المنتج المهم وفوائده التي لا تعد ولا تحصى.
وللإضاءة على صناعة دبس الخروب، التقت «الأنباء» عددا من أصحاب معامل الدبس، الذين تحدثوا عن هذه الصناعة بكل شغف وشرحوا لمراحلها.
الحاج معروف ياسين قال «أصنع الدبس منذ ما يزيد عن الـ 50 عاما، وهذه الصناعة عمرها في البلدة مئات السنين، وبلدتنا مشهورة بها، نظرا إلى خبرة أبنائها بها».
وأضاف «تبدأ رحلة صناعة الدبس بجمع محصول الخروب في شهر سبتمبر، لأنه في هذا الوقت يكون حلوه قد اكتمل. وبعد شراء المحاصيل، التي نأتي بها من الإقليم والجنوب والشمال وبسعر 30 الف ليرة للكيلوغرام الواحد، نقوم بطحنها ومن ثم فرزها وتخزينها لمدة 20 يوما، وبعدها ننقعها في المياه لمدة 4 إلى 6 ساعات».
وأشار إلى «أن عملية الطبخ يستحسن ان تكون في «خلقينة» (طنجرة) نحاس لأن الطعم يكون أفضل، وبعدها نضع الدبس في براميل، ومن ثم في عبوات سعة كيلو او 2 كيلو».
وتابع «كيلو الدبس بـ 300 الف ليرة، كما نستفيد من بذور الخروب التي تصدر إلى الخارج وتستعمل في تصنيع حليب للاطفال وأدوية السعال ومعالجة العقم».
وأشار ياسين إلى «ان هذا الدبس له فوائد جمة، جمالية وطبية، فهو معالج للإسهال وفي الوقت نفسه للاكتام، كما انه يعالج العقم»، وأكد ان هذه الصناعة تتوارثها الأجيال للحفاظ عليها.
وشرح عثمان ابو عرم من «مؤسسة أبناء الحاج محمد سعيد ابو عرم» لآلية صناعة الدبس التي تمر بعدة مراحل: أولها جمع ثمرة الخروب بدءا من 20 أغسطس حتى نهاية شهر سبتمبر، بحسب المنطقة وحال الطقس.
وقال «انه يشتري المحصول من المزارعين في المنطقة، وكون الكمية غير كافية يستكمل حاجته من الجنوب»، لافتا إلى ضرورة أن يكون الخروب ناشفا بالكامل ولونه أسود من الداخل والخارج، لأنه في حال كان اخضر تصيبه «الحماوة» ويصبح كالسماد ولا يعد صالحا للاستعمال.
وأضاف «بعدها تبدأ عملية الطحن في بداية شهر أكتوبر، وتليها مرحلة «الغربلة»، فيتم الحصول على ثلاثة انواع: الخشن والوسط والناعم».
وشرح بوعرم لمراحل التصنيع وقال: لدينا ماكينة تفصل بذر الخروب، وبعدها نعمل على «ترييح» الخروب من خلال توضيبه في اكياس، لمدة اربعين يوما على الأقل قبل الطبخ للحصول على أفخر انواع الدبس. ثم نقوم بنقع الخروب بالمياه في مغاطس مخصصة لمدة 5 ساعات، ونعمل على تكثيفه من خلال سحب المياه من المغاطس ووضعها على خروب غير منقوع بالمياه من اجل تكثيفه، وبعدها يتم نقلها إلى الطنجرة او الحلة من اجل طبخها حتى درجة الغليان، حيث يوجد دولاب خاص يحركها بشكل مستمر ولمدة ساعتين على الأقل، لتتبخر المياه ويبقى الدبس، ومن ثم يتم تبريد الدبس لمدة ربع ساعة ليصار بعدها إلى تعبئته في العبوات المخصصة.
ولفت إلى ان معصرته تصنع سنويا حوالي 15 طنا من أفضل انواع الدبس ذات الجودة العالية.
وتابع: صناعة دبس الخروب بدأها المرحوم والدي قبل الحرب الأهلية، وكانت المعصرة في ساحة البلدة، وكان الخروب يطحن بواسطة دولاب من الصخر «مكبس» ولكنها تدمرت خلال الحرب. وفي العام 1985 جددها والدي، وبعد وفاته، استمرينا بهذه الصناعة لأنها تراثنا، وعملنا على تطويرها، اذ انه قديما لم يكن هناك ماكينات للفرز او لفصل البذور، خصوصا ان للبذور أهمية كبرى في مجال صناعة الأدوية، ويتم تصديرها إلى الخارج من خلال بعض التجار. كما ان البقايا تستعمل كعلف للمواشي وأسمدة للخضار.
من جهته، أكد رئيس بلدية البرجين والمريجات محمد عبدالعزيز بو عرم ان بلدته مشهورة بصناعة دبس الخروب «وهي تعرف ببلدة الدبس، وهذه الصفة أضحت ملازمة لها، اذ يوجد لدينا 5 معاصر للدبس، يشتري أصحابها الخروب من الجنوب والجبل واحيانا من الشمال، وهذه المعامل لديها انتاج كبير تصدره إلى الخارج»
وأضاف: شجرة الخروب برية، وللأسف انعدم الخروب في إقليم الخروب. وقد طالبنا وزير الزراعة تزويد البلديات في الإقليم بشتول الخروب، لأنها شجرة برية غير مكلفة ولا تحتاج إلى عناية أو ري أو أسمدة، وتبقى خضراء على مدار السنة، ومنتجة وتعطي جمالية.
وشدد على أن هذه الصناعة تعزز الحركة الاقتصادية في البلدة. فأصحاب المعامل يساهمون بالموارد للمجلس البلدي للقيام ببعض المشاريع على الأصعدة كافة.
وتابع: يطلق على الدبس اسم العسل الاسود. ونحن كبلدية سنعمل على تكثيف زراعة شجرة الخروب، ليس فقط في البلدة وانما في كل الإقليم، علما ان رئيس اللقاء الديمقراطي النائب تيمور جنبلاط زرع غابة خروب في بلدة سبلين، ونحن نشجع الأهالي على زراعة هذه الشجرة في المناطق البور فيصبح لديهم انتاج ومدخول.
ويبقى الأمل ان يعود إقليم الخروب، إلى اسم على مسمى، وتصبح شجرة الخروب هي الطاغية والمسيطرة كما كانت سابقا في المنطقة.











































































