اخبار لبنان
موقع كل يوم -جريدة اللواء
نشر بتاريخ: ٢٣ حزيران ٢٠٢٥
نوال أبو حيدر
في ظل تصاعد التوتر بين إيران وإسرائيل، الذي يهدّد أمن المنطقة ويؤثر بشكل مباشر على استقرار أسواق الطاقة العالمية، بدأت تداعيات الصراع تصل إلى لبنان، ليس عبر القصف أو الصواريخ، بل من خلال ارتفاعات متسارعة في أسعار المحروقات. فمع التهديد الإيراني بإغلاق مضيق هرمز، الشريان الحيوي الذي تمرّ عبره نحو ثلث صادرات النفط العالمية، شهد سعر برميل النفط ارتفاعاً ملحوظاً وصل إلى 78 دولاراً بعد أن كان قد استقر نسبياً في نطاق 64 إلى 65 دولاراً. هذه التطورات لم تمرّ دون تأثير على الأسواق اللبنانية، التي تعاني أساساً من تقلّبات الأسواق العالمية وتداعيات السياسات المحلية.
ضرائب المحروقات تثير الجدل
ومن هذا المنطلق، برز اقتراح وزير الطاقة، جو الصدي، في جلسة مجلس الوزراء، الذي دعا من خلالها إلى إلغاء أو تعليق مفاعيل زيادة الرسوم الجمركية المفروضة على المحروقات، بعد أن كان قد وافق والحكومة اللبنانية بفرض ضريبة عشوائيّة إضافيّة على استهلاك المحروقات، لتمويل منح ماليّة شهريّة للعسكريّين.
تأتي هذه المبادرة في محاولة لتخفيف العبء المالي على المستهلكين الذين يعانون من ارتفاع تكاليف المعيشة، كما تهدف إلى استقرار أسعار الوقود في الأسواق المحلية، الأمر الذي يسهم بدوره في تقليل التضخم وتعزيز القدرة الشرائية. زيادة الرسم الجمركي على المحروقات كانت قد فرضت في وقت سابق كوسيلة لتعزيز إيرادات الدولة، إلّا أن تأثيرها السلبي على أسعار الوقود دفع بالسلطات إلى إعادة النظر في هذه السياسة، خاصة في ظل تراجع القدرة الشرائية للمواطنين وتصاعد الضغوط الاجتماعية.
الحكومة تبحث مخرجاً للمحروقات!
وانطلاقاً من هذه التطورات، تشير مصادر وزارة الطاقة والمياه لـ «اللواء» إلى أن «العمل جارٍ حالياً على إعداد مقترح بديل أو تصور جديد لمعالجة هذه المسألة، يأخذ في الاعتبار الأوضاع الاقتصادية الراهنة وانعكاسات الأسعار على المواطنين»، وتؤكد المصادر «أن هذا التصور لا يزال قيد الدراسة والتحضير، وسيتم عرضه رسمياً على مجلس الوزراء في المرحلة المقبلة، بهدف مناقشته بشكل معمّق واتخاذ القرار المناسب بشأنه، بما يوازن بين مصلحة الدولة وحاجة الناس لتسعيرة عادلة ومستقرة للمحروقات».
من مضيق هرمز إلى بيروت... السعر يتأرجح
في تعليق له على واقع سوق المحروقات في لبنان، يوضح فادي أبو شقرا، ممثل نقابة موزعي المحروقات، أن «أسعار المحروقات في البلاد لا تُحتسب بشكل معزول، بل تتأثر بشكل مباشر ودوري بأسعار النفط في الأسواق العالمية، التي تشهد في الفترة الأخيرة تقلّبات حادّة نتيجة التوترات الجيوسياسية، وعلى رأسها التصعيد الإيراني – الإسرائيلي»، ويلفت إلى أن «سعر برميل النفط اليوم يقارب الـ 78 دولاراً، بعد أن كان مستقراً نسبياً قبل أسابيع، ما ينعكس تلقائياً على جدول تركيب الأسعار في السوق المحلية».
المواطن يرزح... والقطاع يُعاني!
ويشير أبو شقرا إلى أنه «في نهاية المطاف، اللبناني هو من يتحمّل العبء الأكبر من هذه الارتفاعات المتكررة، خصوصاً في ظل غياب أي دعم أو خطة حكومية واضحة للتخفيف من انعكاسات أسعار النفط المرتفعة»، ويضيف: «أن المحطات وموزعي المحروقات لا يتحكمون بالتسعيرة، بل يُلزمون بالتسعيرة الرسمية التي تصدرها وزارة الطاقة، والتي تعتمد بشكل أساسي على سعر صرف الدولار وسعر برميل النفط عالمياً، إضافة إلى الرسوم والضرائب المفروضة محلياً».
وفي سياق مرتبط، يرى أن «القطاع بمجمله يواجه تحدّيات كبيرة، وأن تحميل المواطن مزيداً من الأعباء من خلال الضرائب والرسوم الإضافية لا يمكن أن يكون الحل»، بل المطلوب، بحسب أبو شقرا، «أن تبحث الحكومة عن آليات أكثر عدالة واستدامة لحماية المواطنين من تقلبات الأسعار العالمية، دون المساس بحقوق العاملين في القطاع أو تهديد استمرارية الخدمة».
«الحكومة» تختار التمويل عبر المواطن
ويعتبر أبو شقرا، أن «الحكومة أقدمت قبل نحو أسبوعين، خلال جلسة لمجلس الوزراء، على خطوة وُصفت من قبل كثيرين بأنها «بدعة جديدة»، تمثلت برفع الرسوم المفروضة على المحروقات، في محاولة منها لتأمين مصادر تمويل إضافية، إذ ان النقابة لا تعارض بأي شكل دعم العسكريين، بل تؤيد تأمين مستحقاتهم والوقوف إلى جانبهم في ظل هذه الظروف الصعبة، في وقت تعتبر فيه الخيارات متعددة لتمويل هذا الدعم، ولا تتطلب تحميل المواطن أعباء جديدة عبر الضرائب على المواد الحيوية».
ويشدّد على أن «فرض هذه الضريبة يمسّ شريحة واسعة من اللبنانيين، خصوصاً المزارعين، الصناعيين، والمواطنين العاديين، الذين يعتمدون بشكل أساسي على مادة المازوت، لا سيما في فصل الشتاء، إذ تُعتبر هذه المادة عنصراً حيوياً لتشغيل القطاعات الإنتاجية، وتأمين التدفئة، وتشغيل المولدات الكهربائية في ظل غياب التيار الرسمي».
دعوى أمام «شورى الدولة»
ويكشف أبو شقرا أيضاً أن «النقابة، بالتعاون مع جهات أخرى، تقدّمت بدعوى إلى مجلس شورى الدولة، تطالب فيها بإبطال هذا القرار الذي اعتُبر مجحفاً وغير عادل، خصوصاً في ظل الظروف الاقتصادية والمعيشية الخانقة التي تمرّ بها البلاد»، ويأمل أن «تنظر الدولة بجديّة إلى تداعيات القرار، وأن تُعيد تقييمه بما يراعي مصلحة المواطنين والقطاعات الأساسية، بدلاً من تحميلهم عبء ما لا طاقة لهم به».
نقمة شعبية على رفع الرسوم...
وبالتوازي مع ذلك، كان قد عبّر المواطنون، عبر مواقع التواصل الاجتماعي وفي تصريحات لوسائل الإعلام، عن شعورهم بأنهم يُستخدمون كأداة لتمويل عجز الدولة وفشلها في ضبط الهدر والفساد، بدلاً من إصلاح حقيقي وشامل للمالية العامة. وازدادت النقمة خصوصاً بعد تبرير الحكومة بأن الزيادة تهدف إلى تمويل مساعدات للعسكريين، معتبرين أن تأمين حقوق فئة معينة لا يجب أن يتم على حساب معاناة فئات أخرى، بل من خلال إصلاحات بنيوية وعادلة. كما حذّرت بعض النقابات والهيئات الاقتصادية من أن استمرار هذا النهج قد يؤدي إلى انفجار اجتماعي، إذا لم يتم التراجع عن القرار أو إيجاد آلية أكثر توازناً وعدلاً.