مهرجانات الأرز الدوليّة… رسالة وطن

من بين أرزات الربّ، من قلب الطبيعة الخالدة التي شهدت على التاريخ والحضارات، ترتفع كلّ سنة منصّة الأرز، لا لتعرض فقط الفن، بل لتُعلن أن لبنان ما زال قائماً، وما زال قادراً أن يكون مركز إشعاع ثقافي وفني، على الرغم من الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تنهكه. مهرجانات الأرز الدوليّة ليست مجرّد مناسبات صيفيّة تقام في ربوع بشري، ولا مجرّد عروض يصفّق لها الجمهور وتنتهي مع نهاية العرض. إنها أكثر من مهرجانات، إنها رسالة وطنية وإنسانية عميقة تُوجَّه من قلب الجبل إلى كلّ لبنان، وإلى كلّ لبناني. وهنا، يكمن البُعد الحقيقي لهذه المهرجانات: رسالة رجاء لجميع اللبنانيين.هي رجاء بألا نيأس. رجاء بألا ننسى من نحن. رجاء بأن نؤمن بأن هذا الوطن، وإن مرّ في أصعب المراحل، لا يزال يختزن في شعبه وفي طبيعته وفي تراثه طاقة الحياة والنهوض. رجاء يُترجم من خلال الفرح، ومن خلال حضور كبار الفنانين والمبدعين الذين يأتون من كل أصقاع الأرض ليقفوا على خشبة الأرز، ليغنّوا للبنان، ويؤكّدوا أنّه لا يزال على الخريطة، لا يزال حيّاً.لكنّ هذه المهرجانات أيضًا رسالة أمل. أمل بأن لبنان ليس فقط وطنًا عاش ماضيًا مجيدًا، بل هو وطن قادر على صناعة مستقبل مشرق. أمل بأن نعود لبناء وطن الحضارة، والثقافة، والفكر، والعلم. وطنٌ لا يكون فقط مساحة جغرافية، بل معنى حضاريًا. فحين تتّحد الجهود لتنظيم حدث بهذه الضخامة والرقيّ، وحين يحجّ إليه الناس من مختلف المناطق والطوائف والانتماءات، نرى بأمّ العين لبنان الحلم، لبنان التلاقي، لبنان الذي نريد. أما إلى المغترب اللبناني، الذي يتابع هذه المهرجانات من خلف البحار، فتصل الرسالة الأهم: رسالة طمأنينة. لبنانك لم يمت. الوطن الذي غادرتَه مرغمًا، ما زال ينبض هنا في الجبل، في الأغاني، في الأضواء، في ضحكات الناس ودموعهم. ما زال هناك من يسهر على بقائه، على صوته، على صورته الجميلة. مهرجانات الأرز تذكّر كلّ مغترب بأنّ لبنان، رغم كلّ الجراح، لا يزال وطنًا حيًا، وأن العودة إليه ليست حلمًا مستحيلًا. أخيراً، مهرجانات الأرز هي فعل إيمان بلبنان. هي نبض حياة يتردّد بين الأرزة والأخرى، ليقول لنا إننا شعب لا يستسلم. إنها وعدٌ متجدّد بأن الغد يمكن أن يكون أفضل، وأنّ الفرح يمكن أن ينتصر على الألم، وأنّ الوطن، حين يجتمع أبناؤه على المحبّة والعمل والثقافة، يستطيع أن يكتب صفحةً جديدةً، مشرقة، من تاريخه الطويل.فلتبقى مهرجانات الأرز رسالة رجاء، أمل، وطمأنينة.