اخبار لبنان
موقع كل يوم -جريدة الأخبار
نشر بتاريخ: ١ أيار ٢٠٢٥
البحث عن إستراتيجية العدو في لبنان لم يعد يحتاج إلى جهود استثنائية. إذ إن بنيامين نتنياهو، منذ بدء الحرب على فلسطين ولبنان وسوريا بشكلها الأخير قبل عام ونصف عام، فرض تعديلات عملية على العقيدة العسكرية والأمنية لدولة الاحتلال.
وفكرة التوسع التي تتسم بها نظرية إسرائيل منذ قيامها، تحوّلت بعد السابع من تشرين الأول - أكتوبر 2023 - إلى قاعدة للتعامل مع كل المحيط. إذ يرى العدو أنه ملزم بفرض وقائع أمنية وعسكرية وسياسية في كل المناطق المحيطة بالكيان لتوفير ما يعتبره حماية إستراتيجية.
دلّت الحرب على لبنان، كما شكّل تعامل العدو مع عملية «طوفان الأقصى»، على أن إسرائيل كانت تستعد أكثر للمعركة على جبهتها الشمالية.
قد يكون المقاومون في غزة نجحوا في تضليل العدو، ولكنهم استفادوا من الغطرسة الإسرائيلية التي تعاملت معهم على أنهم عدو ثانوي، بينما ركزت كل أجهزة العدو السياسية والعسكرية والأمنية جهدها على مواجهة ما تعتبره «التهديد الأكثر خطورة» المتمثل بحزب الله من جهة، وبالقوى التي تحضر إيران مباشرة إلى جانبها في لبنان وسوريا والعراق.
وستخرج في وقت ما نتائج عمليات التقييم الجارية لما حصل، ومحاولة شرح الكثير من الأمور للجمهور. لكن الخلاصات الأولية، تشير إلى أن العدو تصرّف خلال الحرب، ويتصرف الآن، على أساس أنه صاحب حق في القيام بكل ما يعتقده مناسباً لمصلحته. وهذا يعني أمراً واحداً: إسرائيل تريد التمسك بقرار العمل المفتوح في لبنان وسوريا حتى إشعار آخر!
وثائق ديبلوماسية: باريس أقرّت قبل وقف إطلاق النار في تشرين الثاني الماضي بأن واشنطن تعدّ لنظام جديد في لبنان
صحيح أن العدو يسوّق لما يسميه إنجازات في لبنان، ضمن إستراتيجية إقناع الغرب بأنه أهل للدعم في مواجهة أعداء إسرائيل وأميركا، إلا أن قادته يفرطون في استثمار بعض العمليات النوعية.
وهو ما فعله نتنياهو قبل أيام، عندما تباهى بعمليات الاغتيال في لبنان وبقتل الأمين العام لحزب الله الشهيد السيد حسن نصرالله، وبعملية الـ«بيجر»، واضعاً ما حصل في سياق خطته لتغيير كبير في كل منطقة الشرق الأوسط.
علماً أن هدفه الذي يسوّقه لدى جمهور الكيان وبين حلفائه الغربيين، يقوم على فكرة «فك الطوق الإرهابي من حول إسرائيل»، في إشارة إلى محور المقاومة الذي تعزّز حضوره في غزة والضفة ولبنان وسوريا وصولاً إلى العراق.
ويكرر نتنياهو لازمة أن «المهمة لم تنتهِ بعد» وهو ما يطرحه بصورة دائمة في مقاربته لاستمرار الحرب على قطاع غزة، ومبرراً لاستمرار العدوان على لبنان وسوريا، وللعمليات الأمنية التي ينفذها العدو من دون إعلان في أكثر من منطقة في العالم.
الفكرة، أن إسرائيل لا تفكر الآن خارج إطار ما تعتبره «تثبيت الإنجازات وتوسيعها»، سواء في لبنان أو في المنطقة. وفي هذا السياق، يمكن فهم ما تعمل عليه الآن في الميدان، وما تخطط له للمرحلة المقبلة.
وما الموافقة الأميركية على خطط العدو سوى تشجيع على مزيد من العدوان، وهو ما يترافق مع ضغوط أميركية على لبنان لتقديم تنازلات بحجة سحب الذرائع من إسرائيل.
علماً أن السؤال الذي عاد ليُطرح بقوة: هل تفضل إسرائيل وأميركا لبنان بلداً تسوده الفوضى، أم تعتقدان أن بإمكانهما فرض سلطة موالية لهما تماماً وقادرة على تلبية الشروط الإسرائيلية؟
قبل توقف الحرب في تشرين الثاني الماضي، أعطت المداولات في الأمم المتحدة وعواصم القرار العربية والدولية إشارة إلى نمط التفكير لدى الأميركيين والإسرائيليين، وكشفت أيضاً أن الغرب والعرب المعاديين للمقاومة، إما منخرطان في المشروع أو ليسا بالقوة التي تسمح لهما بتعديل الوجهة، وهو ما يظهر الآن في متابعة عمل لجنة الإشراف الدولية على تنفيذ قرار وقف إطلاق النار في لبنان.
وتظهر وثائق ديبلوماسية عربية اطلعت عليها «الأخبار» بعض النقاط المتعلقة بالمفاوضات على قرار وقف إطلاق النار وبعده. وكشف مصدر في وزارة الخارجية الفرنسية في حينه أن الولايات المتحدة «تعمل لتحقيق تغييرات جوهرية في تركيبة النظام اللبناني، عبر الإتيان بنخب سياسية وإدارية أكثر تجاوباً مع السياسة الأميركية المرسومة للمنطقة».
وتحدث المصدر الفرنسي أمام ديبلوماسي عربي مقيم في باريس عن «توجه لدى الأميركيين لإعادة تركيب النظام في لبنان، مستفيدين من الاندفاعية العسكرية الإسرائيلية التي عززت الاعتقاد لديهم بإمكان هزيمة محور المقاومة».
وعبّر المصدر عن «خيبة أمل فرنسا من المحاولات الأميركية لتهميش حضورها في لبنان»، إذ «تعمّد الجانب الأميركي في المفاوضات إخفاء أوراقه عن الجانب الفرنسي». وقال: «يُريدون منا دعم الخطوات التي يقومون بها من دون إطلاعنا على تفاصيلها».
كذلك أكّدت مصادر فرنسية أخرى أمام ديبلوماسيين عرب في باريس أن فرنسا «رفضت الورقة الأميركية الأولية الخاصة بوقف إطلاق النار في لبنان لجهة الدعوة إلى نشر قوات متعددة الجنسية في جنوب لبنان، لأن قوة كهذه تقلّص صلاحيات قوة اليونيفيل وتُضعف دور فرنسا في إطار هذه القوات، وفي لبنان عموماً».
وتحدث مسؤول فرنسي آخر عن «تنسيق وثيق بين فرنسا والسعودية بشأن لبنان» خلال الحرب، «يتولاه جان إيف لودريان ونزار العلولا المُستشار لدى الديوان الأميري»، مشيراً إلى «اتصالات تجريها باريس مع طهران لمحاصرة تداعيات الحرب على لبنان، رغم عدم رضى الجانبين الأميركي والإسرائيلي عن هذه الاتصالات».
وبحسب المصادر الديبلوماسية العربية، فقد تبين أن «واشنطن أبدت انزعاجها من إشراك فرنسا لإيران ضمن مساعيها إلى وقف إطلاق النار من دون التنسيق مع واشنطن».
الواضح، بحسب المداولات، أن تغييراً كبيراً طرأ على الإستراتيجية الإسرائيلية بعد أسابيع قليلة على إعلان وقف إطلاق النار مع لبنان، وأن العامل الرئيسي يتعلق بالتغيير الكبير في سوريا.
ورغم أن الجميع لا يزال يبحث عن تفاصيل ما حدث وأدى إلى انهيار كامل للجيش السوري في عشرة أيام، فإن الجهات المعنية باتت تميل أكثر إلى الرواية التي تتحدث عن صفقة أمنية - ديبلوماسية برعاية أميركية، أتاحت الوصول إلى ما حصل. لكن ،بالنسبة إلى إسرائيل التي كشف رئيس حكومتها في خطابه الأخير «عن تأثير اغتيال نصرالله في حكم الأسد»، يعتبر كيان العدو أن خسارة محور المقاومة لسوريا كساحة أساسية يجب أن يُستثمر في اتجاهات مختلفة.
مفاوضات أبو ظبي: الشرع تعهّد للأميركيين والإسرائيليين بمنع أي نشاط فلسطيني ضد الكيان انطلاقاً من سوريا
وما يحدث الآن من تفاوض بين الإدارة الأميركية وحكومة أحمد الشرع، يأخذ في الحسبان المطالب الإسرائيلية التي لا تكترث لأحوال الجماعات السورية، وهو الوهم الذي تعيشه بعض الجماعات التي تستند إلى إسرائيل للدفاع عن مصالحها في سوريا، خصوصاً أن إسرائيل مستعدة لتسوية ولو مؤقتة مع الشرع في حال تلبيته مطالبها.
واتضح أخيراً أن الوساطة التي تولّتها الإمارات بين الشرع والإسرائيليين من جهة، وبين الشرع والأميركيين من جهة أخرى، أسفرت عن لقاءات بين هذه الأطراف، جرى فيها التفاهم على نقاط عدة.
وما يتجاهله المراقبون، هو توقف الغارات الإسرائيلية على سوريا كلياً قبل أيام من سفر الشرع إلى الإمارات، وتبلّغه «ضمانة» من أبو ظبي بعدم توسيع إسرائيل المنطقة العازلة التي تحتلها في الجنوب السوري.
وهو ما التزم به العدو حتى يوم أمس، عندما استهدفت مسيّراته مجموعات مسلحة في أطراف منطقة صحنايا، ولكن بعد إبلاغ دمشق بأنها تنوي القيام بالضربة وبمكانها، وبأنها مضطرة إلى ذلك تحت ضغط الشيخ موفق طريف الذي يقول إنه حصل على تعهّد من نتنياهو شخصياً بدعم انفصال دروز سوريا عن حكومة دمشق.
وبالتالي، لم تكن الضربة قاسية كما كان يحصل سابقاً. وفي المقابل، أنجز الشرع سلسلة من الترتيبات طلبتها إسرائيل، لجهة المباشرة بحملة ملاحقة فصائل المقاومة الفلسطينية في سوريا بهدف إبعادها، كما فعل مع قيادات من حركة الجهاد الإسلامي، كما جرت اتصالات بين قيادة الشرع وقيادة حماس للحصول على تعهّد منهما بعدم القيام بأي نشاط ضد إسرائيل انطلاقاً من سوريا، إضافة إلى تعاون أمني وثيق لمراقبة الحدود العراقية - السورية والحدود السورية - اللبنانية، لعدم ترك أي منفذ يمكن لحزب الله الاستفادة منه.
وقد بادرت القوات القريبة من الشرع إلى اختلاق معارك على الحدود مع لبنان، بطريقة لا معنى لها سوى إشعار إسرائيل بأن دمشق توافق على ضرب التهديد الذي يمثله الحزب لإسرائيل.
غير أن ذلك كله لا يفيد في تحقيق الهدف المركزي للعدو، والمتمثل بالعمل على خلق واقع جديد في لبنان يؤدي إلى ضربة أكبر لحزب الله. ومع علم العدو بأن حلفاءه في لبنان ماضون في خوض المعارك ضد المقاومة، وصولاً إلى تولي «القوات اللبنانية» تبرير الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان، لا تعتقد إسرائيل بأن هذا سيأتي لها برأس المقاومة، وهو ما يدفعها إلى البحث عن طريقة تجعلها تقوم بنفسها بدور جديد للقضاء على المقاومة.
في هذا السياق، ينبغي رصد مجموعة من المواقف والتحركات الإسرائيلية والأميركية، وسط مؤشرات على نقاش فُتح بين الجانبين في الزيارة الأخيرة لنتنياهو إلى واشنطن. وكشفت مصادر ديبلوماسية غربية لـ«الأخبار» أن رئيس حكومة العدو خالف وجهة نظر الرئيس دونالد ترامب حيال اعتماد التفاوض لاحتواء إيران، وعرض عليه مشروعه لتوسيع الحرب على كل الجبهات التي تدعمها إيران.
ومع أن ترامب دعاه إلى عدم التدخل الآن في حربه ضد اليمن، ونصحه بعدم القيام بأي عمل ضد إيران قبل الخروج بنتيجة من المفاوضات، إلا أنه لم يطلب من حكومة العدو أي تغيير في سياستها تجاه لبنان وفلسطين، وهو ما يعزز المخاوف من احتمال لجوء العدو إلى توسيع العدوان.
وبحسب المصادر نفسها، فقد ناقش نتنياهو مع الأميركيين خطة لتوسيع العمليات العسكرية في لبنان، وأبلغه أن هناك حاجة إلى عملية عسكرية برية كبيرة لأن الحملة الجوية لم تنجز المهمة، ولأن حزب الله بدأ ترميم قدراته مستفيداً من دروس المواجهة الأخيرة. ويبدو أن هيئة أركان جيش الاحتلال أعدّت تصوراً لمعركة كبيرة مع لبنان، تتضمن اجتياحاً برياً كبيراً.
وفي هذا السياق، يعود العدو إلى خطة سبق أن نوقشت قبل الحرب الأخيرة، وساعد التغيير في سوريا على تنفيذها بسهولة أكبر، وهي تستند إلى استخدام العدو للأراضي السورية التي احتلها في الشريط الفاصل بين الحدود الشرقية للبنان مع مناطق القنيطرة والريف الغربي لدمشق، للانقضاض على مناطق البقاع الغربي وراشيا وحاصبيا، فيما تقوم القوات الموجودة على حدود منطقة العرقوب بالدخول إلى لبنان، وتشير المصادر الديبلوماسية الغربية إلى أن العدو يدرس إعداد قوة برية كبيرة لتنفيذ هذه العملية، بالتزامن مع حملة جوية جديدة.