اخبار لبنان
موقع كل يوم -وزارة الإعلام اللبنانية
نشر بتاريخ: ١١ أب ٢٠٢٥
كتبت الدكتورة فيولا مخزوم مقالا تحت عنوان “التوعية الرقمية عبر الإعلام: نحو مجتمع لبناني أكثر أماناً ومسؤولية رقمياً”، تناولت فيه دور الإعلام كأداة فاعلة في التوعية الرقمية، جاء فيه:
في عصر التحول الرقمي المتسارع، أصبح الإعلام الرقمي من أبرز الوسائل التي تؤثر على حياة الأفراد والمجتمعات بشكل عام، ولبنان ليس استثناءً من هذه الظاهرة. مع ازدياد انتشار الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، تواجه المجتمعات تحديات كبيرة في مجال الأمن الرقمي والمسؤولية الاجتماعية المرتبطة باستخدام التكنولوجيا. لذلك، يبرز دور الإعلام كأداة فاعلة في التوعية الرقمية، التي تُعد ركيزة أساسية لبناء مجتمع لبناني أكثر أمانًا ومسؤولية رقمياً.
إنّ التوعية الرقمية تُعنى بتمكين الأفراد من فهم مخاطر وحقوق التكنولوجيا الرقمية، واستخدامها بطريقة آمنة ومسؤولة. في لبنان، حيث يتباين مستوى التعليم والوعي التكنولوجي بين الفئات المختلفة، تصبح التوعية الرقمية ضرورة ملحة للحد من الأضرار المحتملة مثل القرصنة، الاحتيال الإلكتروني، وانتشار الأخبار الزائفة والمضللة. كما تمكّن التوعية الرقمية المواطنين من حماية خصوصياتهم الرقمية والحفاظ على أمن بياناتهم الشخصية، ما ينعكس إيجابًا على السلامة الرقمية العامة للمجتمع.
ويُعتبر الإعلام، بكافة أشكاله التقليدية والرقمية، منصة أساسية لنقل الرسائل التوعوية إلى مختلف شرائح المجتمع. يساهم الإعلام التقليدي مثل التلفزيون والراديو والصحف في تقديم محتوى توعوي منظم وموثوق يصل إلى جمهور واسع، خاصة الفئات العمرية الأكبر والأكثر تحفظًا في استخدام الإنترنت. أما الإعلام الرقمي ووسائل التواصل الاجتماعي، فهي أدوات فعالة لنشر التوعية بين الشباب والفئات الناشطة رقميًا، حيث تتيح فرصًا للتفاعل المباشر وتبادل المعرفة والخبرات الرقمية.
في لبنان، لا بد من استثمار هذه المنصات الإعلامية لتقديم حملات توعية مستمرة ومتجددة تركز على موضوعات مهمة مثل الأمن السيبراني، حماية البيانات الشخصية، كيفية التعامل مع المعلومات المضللة، وأهمية التربية الرقمية داخل الأسرة والمدارس. كما يجب على الإعلام تبني رسائل تعزز المسؤولية الفردية والجماعية تجاه الاستخدام الآمن للتكنولوجيا.
يواجه لبنان العديد من التحديات التي تعيق التوعية الرقمية الفعالة، منها ضعف البنية التحتية الرقمية في بعض المناطق، التفاوت الكبير في فرص التعليم الرقمي، وانتشار الفقر والبطالة التي تحد من وصول بعض الفئات إلى التقنيات الحديثة. بالإضافة إلى ذلك، يعاني لبنان من مشكلة انتشار المعلومات المضللة والأخبار الزائفة التي تنتشر بسرعة عبر منصات التواصل الاجتماعي، مما يؤثر سلبًا على وعي الجمهور وثقته بالمصادر الإعلامية. إضافة إلى ذلك، هناك نقص في السياسات الحكومية الفاعلة والمتكاملة التي تدعم التوعية الرقمية بشكل شامل، حيث يتطلب الأمر استراتيجيات واضحة تشترك فيها وزارة الإعلام، وزارة التربية، والمؤسسات المدنية لضمان تغطية متوازنة وشاملة لهذه القضية.
لقد لعب الإعلام دورًا محورياً في بناء ثقافة رقمية واعية من خلال تقديم محتوى هادف يعزز المهارات الرقمية ويشجع على السلوكيات الإيجابية عبر الإنترنت. يمكن للإعلام أن يكون منبرًا لحملات التوعية التي تستهدف قضايا مثل مكافحة التنمر الإلكتروني، احترام حقوق الملكية الفكرية، وتشجيع المشاركة المدنية الرقمية المسؤولة.
كما يمكن للإعلام تعزيز الوعي بأهمية التحقق من صحة المعلومات قبل مشاركتها، وهو أمر حيوي لمواجهة ظاهرة انتشار الأخبار المزيفة التي أصبحت تهدد النسيج الاجتماعي والثقة بالمعلومات الرسمية. ومن خلال الشراكة مع الخبراء والمؤسسات التعليمية، يمكن تطوير برامج تعليمية وإعلامية متخصصة تواكب التطورات التقنية وتحفز الأفراد على التفاعل بإيجابية وأمان.
وبناءً على ما تقدم، ولتحقيق تعزيز فعّال للتوعية الرقمية في لبنان، من الضروري إطلاق حملات إعلامية مستمرة ومتنوعة تغطي جوانب مختلفة من التوعية الرقمية، مع التركيز على الفئات العمرية المختلفة واحتياجاتها الخاصة. كما يجب دمج التربية الرقمية ضمن المناهج التعليمية بدءًا من المراحل الدراسية الأولى، مع توفير برامج تدريبية متخصصة للمعلمين لتمكينهم من استخدام التكنولوجيا بأمان وفاعلية. بالإضافة إلى ذلك، يتطلب الأمر تطوير برامج تدريبية مهنية للعاملين في مجال الإعلام بهدف رفع كفاءتهم في إنتاج محتوى رقمي مسؤول وموثوق. ولضمان استدامة هذه الجهود، ينبغي تشجيع الشراكات بين القطاعين العام والخاص لاستثمار الموارد التقنية والبشرية في دعم مبادرات التوعية الرقمية. كما يتوجب تعزيز التشريعات والسياسات الرقمية التي تحمي البيانات الشخصية وتكافح الجرائم الإلكترونية، إلى جانب دعم المبادرات المجتمعية والمنظمات غير الحكومية التي تسعى لرفع الوعي الرقمي خصوصًا في المناطق النائية والمهمشة، ما يضمن وصول الرسائل التوعوية إلى جميع شرائح المجتمع اللبناني بشكل شامل ومتوازن.
وعليه، وفي ظل التحولات الرقمية المتسارعة، أصبح الإعلام الرقمي أداة لا غنى عنها في بناء مجتمع لبناني أكثر أمانًا ومسؤولية رقمياً. من خلال التوعية المستمرة، التعاون المؤسسي، والاستثمار في التعليم والتدريب، يمكن للبنان أن يخطو خطوات مهمة نحو مجتمع رقمي واعٍ قادر على مواجهة تحديات العصر بثقة وحكمة. ويظل الإعلام هو الجسر الأساسي الذي يربط بين المعرفة الرقمية والمجتمع، ليشكل بذلك ركيزة أساسية للتنمية المستدامة والازدهار الوطني.