اخبار لبنان
موقع كل يوم -نداء الوطن
نشر بتاريخ: ١ أذار ٢٠٢٥
ما إن دخل الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض حتى بدأ الحديث عن اجتماع الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين، ولعل محدّدات هذا الاجتماع اختيار المكان الذي يناسب الجهتين على عدة مستويات: سياسية وأمنية ومادية. وبدأ الحديث في وسائل الإعلام عن أن هذا الاجتماع سيتم في المملكة العربية السعودية.
وجاء اجتماع وزيري خارجية الولايات المتحدة وروسيا على رأس وفدين من البلدين، في المملكة بمثابة تأكيد لهذا الاحتمال. إذ جرت مناقشة موضوع الاجتماع إلى جانب قضايا دولية متفجّرة من مثل القضية الأوكرانيّة والقضية الفلسطينيّة. ومع أنه لم يصدر حتى الآن أي بيان رسمي حول اجتماع الرئيسين في السعودية إن من حيث التوقيت أم من حيث المضمون، فإنّ الأمور تتجه بين يوم وآخر إلى تحقيق هذا الاجتماع بين الزعيمين على أرض المملكة وبدعوة من الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي. هذا الاجتماع في حال حصوله، وفي رأينا سيحصل حتماً، ليس مجرّد اجتماع عادي في ظروف عادية، وفي مكان عادي، بل هو اجتماع استثنائيّ تأسيسيّ يطرح الإسلام بمركزيّته السنيّة السعودية كزاوية رابعة في النظام العالمي الجديد إلى جانب أميركا وروسيا والصين .
ماذا يعني ذلك؟
1- مع انهيار الاتحاد السوفياتي في بداية التسعينات من القرن الماضي، بدأ العمل داخل القوى الدولية الكبرى وعلى مختلف المستويات لإيجاد نظام بديل لذاك الذي رسمته الإرادات الدولية بعد الحرب العالمية الثانية، الملفت في هذا السعي هو الانطلاق من اختيار المملكة العربية السعودية مكاناً لاجتماع القوتين الدوليتين الأبرز. فماذا يعني هذا الاختيار على الصعيدين الجيو - سياسي والجيو - الاستراتيجي للمملكة السعودية ولدورها في رسم معالم النظام العالمي الجديد (Le nouvel ordre mondial)؟ وما هو دور الإسلام كقوة روحية - حضارية – ديموغرافية - واقتصادية بطبعته السعودية كعامل فعَّال في رسم معالم هذا النظام للقرن الحادي والعشرين؟
2- إن اختيار السعودية كمكان لأوّل اجتماع بين الرئيسين ترامب وبوتين هو اعتراف واضح وصريح بدور السعودية وأهميتها كقوّة عالمية إذا لم يكن كقوّة عسكرية، فبالتأكيد كقوة معنوية لما لها من تأثير مباشر على أكثر من مليار ونصف المليار مسلم من سكان العالم: وواضح من دراسات سكان العالم أن الديانة الإسلامية ستصبح الديانة الأولى في العالم في حدود نهاية القرن الحادي والعشرين. وهذا الأمر سيخلق معادلات جيو - سياسية جديدة وذلك أن القاعدة الجديدة تقول، إن الديموغرافيا هي التي تصنع التاريخ. وانطلاقا منه سيكون للإسلام دور في مسار تاريخ البشرية جمعاء.
3- إن النهج السياسي الذي تعتمده المملكة سواء على الصعيد النظري 'برؤية 2030'، أم على الصعيد العملي بالتعاطي مع مختلف دول العالم ، هو نهج يمكن وصفه بالإيجابية المطلقة مع كافة دول العالم: سعياً لبناء مجتمعات جديدة وعالم جديد وليس لخلق الحساسيات والفتن وإشعال الحروب، بل لدعم الاستقرار والازدهار في كافة انحاء العالم. حتى بالنسبة لإسرائيل فقد وضعت شرطاً واحدًا للسلام معها ألا وهو تأمين حقوق الشعب الفلسطيني على قاعدة مبدأ الدولتين كما أقرّته القمة العربية في مؤتمر بيروت عام 2002.
4- اعتبار آخر أخذته في الحسبان الدولتان الكبريان وهو الاعتبار الأمني ذلك أن المملكة تتمتّع كما هو واضح للرأي العام، وكما تدل عليه تقارير أجهزة المخابرات الأميركية والروسية بحد عالٍ من الاستقرار الأمني وهو عامل مهم لصيانة أمن الوفود من الدولتين وهي وفود تضم كبار المسؤولين السياسيين والعسكريين، ومن المتوقع أن تعمل أجهزة الدولتين على تقوية هذه المناعة الأمنية لدى أجهزة المملكة بما لديهما من ضمانات أمنية إضافية.
5- في دراستهما للخيارات الممكنة في دول العالم، لاحظت الدولتان الكبريان وجود نهج سعودي يمكن أن يطلق عليه 'نهج العالمية'، وهو نهج يقوم على السعي لاستقطاب أكثر وأكبر المجموعات الفكرية أو الكشفية أو الرياضية (ومنها استضافة الألعاب الاولمبية في الثلاثينات) وهي نشاطات دولية وذات طابع دولي درجت عليها المملكة ونجحت في إبرازها وإنجاحها أمام العالم. ومثل هذا النهج، أعطى المملكة قدرة ومهارة في العمل والتعامل مع القوى الدولية بما يناسب ويليق بشعوبها وثقافتها ونمط حياتها.
6- ولعلّ الأمر الأكثر تأثيراً في ذهن الدولتين، والعديد من دول العالم، هو قدرة المسؤولين السعوديين الدينيين والأمنيين على الجمع بين مفهوم الإسلام ومفهوم الحداثة في كثير من الأمور العقائدية والفكرية والاجتماعية بما يناسب مستلزمات المعاصرة. ومثل هذا التحوّل أفسح في المجال لجعل الإسلام قوة عالميّة وبالتالي أحد الأجنحة الأربعة للنظام العالمي الجديد، نظام القرن الحادي والعشرين.
7- من الطبيعي والمنطقي أن يجتمع الرئيسان ترامب وبوتين إلى مائدة الأمير محمّد بن سلمان وهي المائدة النموذجية للكرم العربي. وسيكون كل شيء مؤمناً لهما ولحاشيتهما من التكريم والأمن والضيافة.
باختصار تفتح القمّة الثنائية الأميركية - الروسية لدى انعقادها في السعودية الباب واسعاً أمام قاعدة التوازن الدولي. ويزداد هذا التوازن صحة ومناعة بدخول الإسلام إليه عبر السعودية، وعندها لا يعود الأمير محمد بن سلمان كما وصفته مجلة الإكسبريس (L’Express) في عددها رقم 3839 تاريخ 30/1/2025 على صفحتها الخارجية بأنه 'الرجل الذي لديه مفتاح الشرق الأوسط'، بل سيصبح الرجل الذي يجمع مفاتيح العالم الإسلامي من أندونيسيا إلى المغرب. 'إنها مفاتيحُ عالم الوسط، ومن يسيطر على عالم الوسط يسيطر على العالم' بحسب تعبير كيسنجر!