اخبار لبنان
موقع كل يوم -الهديل
نشر بتاريخ: ١٣ أب ٢٠٢٥
خاص الهديل….
بقلم: ناصر شرارة
هناك تعريف قديم جديد لموقع لبنان الجيوسياسي، ولكنه تعريف غير معمول به أو لا يتم أخذه بعين الاعتبار؛ رغم أن التجارب التاريخية التي مرت على لبنان تثبت صحته وتثبت أن الأحداث التي تجري فيه هي من نتائج خاصيته الجيوسياسية هذه.
يقول هذا التعريف الجيوسياسي للبنان أنه بلد مهم رغم صغر مساحته؛ ويقول أن لبنان كان مهماً قبل أن يصار إلى اكتشاف غازه؛ والآن مع اكتشاف غازه غير المستخرج تتأكد أهميته ولا تزيد أهميته.
.. ولبنان يقدمه تعريفه الجيوسياسي القديم – الجديد الذي لا يتم أخذه باعتبار صناع سياساته؛ أنه شاطئ موجود على البحر الأبيض المتوسط، وعلى شرق المتوسط على وجه التحديد..
.. وهو – أي لبنان – مرفأ على بحر تجوب فيه على طريقة عرض العضلات أساطيل الدول الكبرى..
.. وهو مطار في أجواء منطقة أهم جوانبها دور سلاح الطائرات في حروبه..
.. وهو مصب نفط في منطقة أغلى سلعها وأخطر أسلحتها النفط.
يضيف تعريفه الجيوسياسي أن لبنان بلد مهم ضمن فريق وحلف وليس لوحده؛ فخصائصه كمطار ومرفأ ومصب نفط على شاطئ شرق المتوسط، ترشحه إما أن يكون فيتنام الشمالية أيام الحرب الباردة أو شاطئ يشطط عليه الأسطول السادس الأميركي؛ وترشحه دائماً لأن يكون بمجال من يطرح أسئلة على خيارات المنطقة: هل يكون نموذج جذب لخيار رخاء في الإقليم أم نموذج جذب لخيار صراع في الإقليم
.. ولبنان يصبح مهماً إذا كان مصب نفط للنفط العراقي أو للنفط السعودي؛ ولبنان يصبح مهماً إذا كان مرفأ لبحر فيه تنافس بين عرض عضلات الأساطيل وبين خطوط بحرية تجارية، الخ..
هذا التعريف الجيوسياسي الواقعي للبنان والذي برز منذ ستينات القرن الماضي يقول عدة أمور أساسية:
أولاً- بخصوص هذه اللحظة يصبح مفهوماً لماذا مطار بيروت يستقبل اليوم علي أكبر لاريجاني مبعوث السيد خامنئي (عملياً)، ويستقبل غداً مبعوث الرئيس ترامب وسوف يستقبل بعد غد مبعوث الرئيس ماكرون.. فلبنان بلد مهم رغم أنه صغير وهو بلد مهم بغازه وقبل اكتشاف غازه؛ وهو مهم بمطاره وبمرفئه وبمصب نفطه وبموقعه على بحر المتوسط، وعلى شرق المتوسط على وجه التحديد.. وبالتالي لبنان محكوم بصراع إقليمي أو رخاء إقليمي أو تسوية إقليمية أو بتقديم أوراقه لاعتماد دور له من داخل الإقليم أو دور له من خارج الإقليم.
ثانياً- صحيح لبنان جيوسياسياً ليس أهم من سورية ولكن سوريا جيوسياسياً لا تسرق خواص الأهمية الجيوسياسية للبنان؛ وبلد الأرز هو ساحة للمتصارعين جيوسياسياً عبر الإقليم والعالم فيما سورية هي مركز الصراع الجيوسياسي؛ ومن يربح سورية يسيطر جيوسياسياً على ربع الشرق الأوسط، وباتريك سيل يقول على كل الشرق الأوسط؛ ومن يخسر لبنان يفقد جائزة ترضية جيوسياسية. وهذه المعادلات أكدتها التجارب والأحداث عبر زمن طويل؛ فالسعودية عندما أدارت ظهرها للبنان في العقد الأخير اكتشفت أن حزب الله اللبناني موجود على حدودها في اليمن، وسورية عندما اعتبرت أنها لا تحتاج لسفارة مع لبنان؛ وجدت في ستينات القرن الماضي أن الناصرية قسمت بيروت مثل برلين إلى قسمين إثنين: بيروت الناصرية وبيروت السورية.. وبمثلما أن مشكلة دمشق اليوم هي كيف يتفق الدوليون والإقليميون على تعبئة الفراغ الذي تركه إخراج النفوذ الإيراني الاستراتيجي من سورية؛ فإن شيئاً ليس قليلاً من مشكلة لبنان اليوم هو كيف تعبأ الدولة خروج نفوذ إيران السياسي والذراع العسكري لحزب الله من معادلة احتكار السلم والحرب في لبنان.
الأمر الثالث والآخر وليس الأخير الذي يقوله فهم التعريف الجيوسياسي القديم – الجديد للبنان غير المأخوذ بالحسبان لدى صناع القرار، هو أن لبنان بلد صغير لكنه مهم وهو مطار ومرفأ ومصب نفط على بحر المتوسط وتحديداً شرق المتوسط، وبالتالي لا يجب الاستهانة بخطورة أن خواصه تجعله رغماً عنه أو بإرادته ساحة مهمة للصراع الجيوسياسي فوقه؛ وذلك في وقت أن جارته سورية هي مركز الصراع الجيوسياسي عليها.
سيكون لبنان – بلا شك – أمام مرحلة صعبة حيث أنه يوجد الآن في قلب حدث أن المنطقة تولد من جديد جيوسياسياً وليس فقط سياسياً؛ وأخطر ما يحدث هو أن هناك معادلات وامبراطوريات تموت، ولكن بالمقابل لا يتم لحظ أن عالماً جديداً يولد!!