اخبار لبنان
موقع كل يوم -جنوبية
نشر بتاريخ: ٣٠ نيسان ٢٠٢٥
في لحظة مفصلية من تاريخ ايران عام 1909، كان الشيخ فضل الله النوري الذي ثار ضد ظلم القجاريين يُقاد إلى منصة الإعدام.
وقف المئات من المواطنين شهوداً على مشهدٍ إنساني مؤلم، لكن ما كان يجب أن يكون حدثاً يعكس الاستفهام عن العدالة، تحوَّل إلى مجرد عرض يستهلكه الحضور.
لماذا؟ لأن الناس لم يتفاعلوا مع الحدث بشكل إنساني حقيقي، بل تحوَّلوا إلى جمهور يشاهد ويأمل الحصول على قطعة من البركة من 'عكازة' الشيخ!
حين وقعت العصاة من يد الشيخ، لم يتدافع الناس لإنقاذه أو على الأقل لإظهار أي نوع من التضامن الجدي، بل تحوّلت الأنظار الى ما تبقَّى منه، على رمزٍ ضاع وسط الإعدام، ولو أن ما بقي من الشيخ كان أسمى من العكازة، إلا أن هذا التنافس على شيء مادي يعكس واقعنا اليوم. إنهم يتقاتلون على رمزية، على قطعة من ميراث دون أن يكلفوا أنفسهم عناء السؤال؟ هل نحن جزء من هذا المصير أم مجرد متفرجين على هزائم الآخرين.
المشهد يبدو كأن التاريخ في دائرة مغلقة، يعيد نفسه بشخوص جديدة ولكن بنفس الفوضى، كأن كل جيل، وكل فئة، وكل 'متفرج' يظن أنه يعيش لأول مرة هذا الدرس الذي يعيد صياغته دون أن يتعلم، فنحن اليوم، كما في الأمس، نصرخ في وجه المآسي بينما نتسلَّى بالرموز.
ربما لولا العكازة، لكانوا اكتفوا بمشاهدته يموت صامتاً، ولكن بما أن القطعة الرمزية كانت هناك، أصبحت الجموع تتقاتل عليها، وكأنها براءة من كل فعلهم السلبي..
فالدرس الحقيقي هنا ليس في تفوُّق العصا، بل في فشلنا في أن نكون جزءًا من الحدث، بدل أن نكون مجرد شهود على إعدام الأحلام..
في النهاية، لا فرق بيننا وبين المتفرجين في ذلك المشهد، سوى أننا اليوم نستبدل العصا بالتلفاز، والشوارع بمواقع التواصل.
نحن لا نختلف عن أولئك الذين تنازعوا على عكازة الشيخ، طالما استمرينا في عيش حياة التفرُّج والتسويق للألم على منصاتنا الاجتماعية دون أن نتأثر بما هو أكثر من الظاهر..
إذاً، عندما نصل إلى الحقيقة، هل سنتقاتل على حصتنا من العصا، أم نختار أن نكون جزءًا من التغيير؟
إنها في النهاية ليست مسألة عكازة، بل مسألة 'النفاق' الذي يسود مجتمعات كثيرة، ويتفشى في كلّ العصور.
اقرا ايضا: عن جمال عبد الناصر.. الذي «لا يعرفه أحد»!