خاص الهديل: لبنان عالق بين "الحرب القادمة" و"الأجوبة الغائبة"..  

خاص الهديل….

بقلم: ناصر شرارة

ليلة أمس وجهت إسرائيل لليمن إنذاراً كي يخلي السكان هناك مناطق عدة تقع فيها بنى تحتية يمنية استراتيجيتها (محطات مياه وكهرباء، الخ..)؛ وبنفس الوقت كانت الجرافات الإسرائيلية تجرف بيوت على حافة الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة في بلدة كفركلا وغيرها؛ وكانت تشن الطائرات الإسرائيلية غارات على مناطق مختلفة في لبنان من البقاع حتى الجنوب؛ فيما قوات إسرائيلية كانت تتوغل داخل 'سورية الجديدة'. وبنفس الوقت كانت حرب نتنياهو تستمر في غزة؛ فيما حرب كل من سميوتريتش وبن غفير تستمر على الضفة الغربية؛ بينما اختار وزير الدفاع الإسرائيلي كاتس أن يشن غارة نفسية على أمين عام حزب الله الشيخ نعيم قاسم حيث ذكره بمصير السيد حسن نصر الله؛ أضف أن نتنياهو في اجتماع الكابينت الذي عقده قبيل سفره إلى الولايات المتحدة الأميركية كان يتقصد أن يحمل الجيش مسؤولية أنه لم يستطع أن يواكب زخم الأوامر السياسية التي تدعوه للتقدم على الأرض في غزة ويعتبر تصرف نتنياهو هذا بمثابة إشارة مبكرة من جانبه عن أنه يريد تحميل الجيش مسؤولية التقصير عن ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ وعن كل ما تلاها من اتفاقات في حين أنه سينسب لنفسه وحده كل حققته ما إسرائيل من إنجازات. 

كل هذه البلطجة العسكرية الإسرائيلية تحدث في غياب أنه لا يوجد بمقابل إسرائيل سوى شعوب خاسرة جائعة لديها عوز في خدمات الحياة الأساسية (كانتظار تأمين دولها لها الماء والكهرباء على نحو كاف، الخ..)؛ ومع ذلك تقول إسرائيل أنها تدافع عن أمنها من أخطار مرئية وخفية ومفترضة، الخ.. 

وسط هذا الحطام من الأمن العربي يوجد لبنان المستهدف والمعتدى عليه والذي لا يملك فعلياً أي عامل رادع لإسرائيل ولا أيضاً أي عامل يدعم صمود شعبه.

ولا يعرف لبنان في هذه اللحظة إلى أية جهة يجب أن ينظر؛ هل ينظر إلى طائرة نتنياهو المغادرة إلى لقاء وراء الأطلسي مع حاكم العالم دونالد ترامب؛ أم ينظر إلى طائرة توماس براك القادمة من باريس إلى لبنان ليحصي عدد الأجوبة التي صاغتها بيروت على أسئلة واشنطن؛ أم على لبنان أن ينظر إلى طائرة المبعوث السعودي الذي غادر لبنان للتو؛ أم على لبنان أن ينظر إلى خطاب الشيخ نعيم قاسم الذي قد يكون لصوته تراجيع إيرانية.

لا أحد يتبرع ليوضح للبنان ما إذا كانت كل هذه الجهات تتقاطع في مبادرة واحدة لتخليص لبنان من الحرب القادمة؛ أم أنها تتقاطع جميعها عند نقطة أمر واقع يؤشر إلى حتمية الحرب القادمة على لبنان. 

الأسئلة التي حملها براك قبل فترة إلى بيروت، والتي يأتي اليوم ليحصل أجوبة الدولة اللبنانية عنها؛ هي أسئلة يمكن تلخيصها بسؤال واحد: هل الدولة اللبنانية قادرة على الإجابة عن كل هذه الأسئلة؟؟ هل تملك الدولة اللبنانية إمكانات تحقيق ما تريده منها واشنطن، أو حتى هل تملك تحقيق ما تريده هي نفسها تحقيقه لشعبها؟؟

يستطيع ترامب مثلاً أن يقول لنتنياهو أن واشنطن تريد منك رزمة أمور؛ والسبب أن ترامب يعرف أن نتنياهو يستطيع أن يفعل كل ما تطلبه منه أميركا؛ لأن الأخيرة منحت إسرائيل كل ما تحتاجه لتفعل كل ما تريده تل أبيب وكل ما تريده منها أميركا.

يجدر للحظة واحدة أن يسأل براك نفسه ماذا أعطت الولايات المتحدة الأميركية للدولة اللبنانية من وسائل وإمكانات حتى تطلب منها تنفيذ ما تريده واشنطن؟؟..

.. ومع ذلك فإن براك يأتي إلى لبنان بمنطق يقول: اعطي أميركا أولاً حتى تعطيك أميركا لاحقاً وثانياً.. بينما نتتياهو ذاهب إلى أميركا حيث يوجد ترامب وقبله كان يوجد بايدن وكلاهما تعاملا مع إسرائيل ضمن منطق يقول: أميركا تعطي تل أبيب أولاً ثم تأخذ ثانياً ولاحقاً ما يمكن أن تعطيه إسرائيل لها.

طبعاً لا تطلب الدولة اللبنانية من براك أن يعاملها كما سيعامل اليوم ترامب نتنياهو؛ فلبنان يدرك حدود الفوارق في العلاقة؛ ولكن المطلوب أن تساعد أميركا لبنان كي يساعد نفسه بحيث يكون قادراً أقله على تعبئة استمارة ردود الدولة اللبنانية على الأسئلة الأميركية والعالمية الموجهة له.