اخبار لبنان
موقع كل يوم -جريدة اللواء
نشر بتاريخ: ٤ أيلول ٢٠٢٥
هل السياسات المحلية الرشيدة وحركات التحرر الوطني، تتنافى وظاهرة العولمة المتنامية؟
رموز العولمة هي اقتصاد السوق والشركات المتعددة الجنسيات. ونحن نلمس ان الرأسمال في ذلك أميركي بالدرجة الأولى وأنماط الحياة أميركية وحتى اللغة والثقافة والإعلام والموسيقى والغناء.
العولمة قديمة قدم العالم. انتقلت من طغيان مجتمع إلى طغيان مجتمع آخر. اتخذت طابعا تجاريا في عهد الإمبراطورية البريطانية، وطابعا ثقافيا لدى الإغريق، وطابعا تقنيا في اليابان مع اختراع الترنزستور...
ركيزتا العولمة هما المعرفة والسلطة. يتكلمون اليوم على قرية كونية، ولكن وراء العولمة أشباحا غير مرئية وليس تماما اديولوجيات كما في الماضي.
ترمي العولمة ظاهريا إلى صهر الشعوب في بوتقة واحدة وتيسير حياتها. ترمي إلى جعل العالم متشابها مع إخفاء نوايا مختلفة من ضابطي الإيقاع الثقافي أو الاقتصادي أو السياسي.
بسقوط جدار برلين وانهيار معظم الدول الشيوعية، تفاقمت مخاطر العولمة بسبب هيمنة سلطة المال وقيام الصفقات الكبيرة واتساع الهوة بين المجتمعات وفي صميمها. ومن سلبياتها البطالة واستيراد السلع الأجنبية للدول وتفاوت في التقديمات الاجتماعية والكوارث البيئية وتحوّل المؤسسات الدولية أدوات تعزز الرأسمالية المتوحشة.
ثمة إيجابيات في العولمة، فنحن نتوسل المذياع الياباني ونرتشف القهوة البرازيلية... ولكن هذه التعددية شأنها أن تجعل المنزل ومركز العمل متماهيين، ما يعدل العلاقات البشرية تحت كل سماء. بفضل العولمة، تقلّص بعض المجتمعات النشاط السياسي لمصلحة شؤون الناس، وقد رفض رئيس سنغافورة العمل السياسي الحصري فغدت بلاده أكثر استقلالا ومحافظة على خصوصياتها وازدهارها.
مع العولمة، أضيفت حاجات لأناس لا يبتغونها وتبدّلت الكماليات، ولكن عباقرة كأمين معلوف وطاهر بن جلول وغبرييل ماركيز ، حافظوا على شخصيتهم وخاطبوا مختلف المجتمعات التي عرفوها في روح نقدية بنّاءة!
والسؤال هنا: ألا ينبغي للعالم المتطور ولو بمعنى ما، أن يبدأ بمحاربة الفقر والجهل على غرار ما تفعل بعض الدول الأوروبية كألمانيا وسويسرا التي تتعولم ولكنها تحاول ترتيب منزلها الداخلي أيضا، ومنزل سواها أحيانا؟
وما زال وطننا «ساحة» خدمات وأزمات في نسبة عالية. نرى ان تعدديته المتزايدة، سطحية وموسمية، وإنتاجيته واهنة ومؤسساته شبه مفقودة! تأقلم مع العولمة بالنسبة إلى محيطه، ولكنه لم يتغيّر اقتصاديا. لم نعتمد على سوقنا المحلية وتزايد ديننا وشنّنا حروبا عبثية... ذلك ان جوهر بلايانا يكمن في ازدواجياتنا الذهنية وارتهاناتنا الخارجية. فهل يستفيق يوما المعنيون غير المعنيين بذهنيتنا المتهالكة وانتمائنا الوطني المصفّى؟؟
أستاذ في المعهد العالي للدكتوراه